تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ} (49)

وقوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم } نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتبع أهواءهم . والوجه فيه ما ذكرنا أن العصمة لا تمنع النهي ، بل يؤيد ؛ وقد ذكرنا في ما تقدم . ويحتمل أن يرجع النهي إلى غيره ؛ ويراد بالنهي والأمر غير المخاطب به على ما ذكرنا من عادة الملوك أنهم إذا خاطبوا من هو أجل عندهم وأعظم [ اتبعوا أهواءهم كما طلبوا منك ] الجلد مكان الرجم والدية مكان القصاص وكما رأى بنو النضير إلى أنفسهم من الفضل على بني قريظة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } قوله تعالى : { أن يفتنوك } أن يصدوك عن الحكم { عن بعض ما أنزل الله إليك } و الفتنة هي المحنة ، وهي تتوجه إلى وجوه ، وقد ذكرنا الوجوه فيما تقدم .

وقوله تعالى : { فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم } قوله تعالى : { فإن تولوا } فإن أعرضوا عن الحكم الذي تحكم بما أنزل الله { فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم } اختلف فيه :

قال بعضهم : إنما يعذبهم الله ببعض ذنوبهم ، لا يعذبهم بجميع ذنوبهم .

وقال آخرون : عذاب الدنيا عذاب ببعض الذنوب ليس هو عذابا بكل الذنوب لأنه لا يدوم ؛ وأما في الآخرة فإنهم يعذبون بجميع ذنوبهم لأن عذاب الآخرة دائم ؛ فهو عذاب بجميع الذنوب ، وعذاب الدنيا زائل ؛ فهو عذاب ببعض الذنوب ، والله أعلم .