بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ} (122)

قوله : { وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } ، روي عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } ، يعني : ما كان للمؤمنين لينفروا جميعاً ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة . { فَلَوْلاَ نَفَرَ } ، يقول : فهلا خرج { مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ } ، يعني : عصبة من جماعة ، ويقم طائفة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، { لّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدين } ، يعني : ليتعلموا العلم وشرائع الدين . فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن وتعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم ، فيعلمونهم ويقولون : إن الله تعالى قد أنزل على نبيكم بعدكم كذا وكذا ؛ وهذا قوله : { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } ، يعني : يتعظون بما أمروا ونهوا عنه .

ولها وجه آخر ، وهو ما روي أيضاً ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن طلحة ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما دعا على مضر بالسنين ، أجدبت بلادهم . وكانت القبيلة تقبل بأسرهم ، حتى يلحقوا بالمدينة ويعلنوا بالإسلام وهم كاذبون ، فضيقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم ، فأنزل الله تعالى يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا بمؤمنين ، فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائرهم وحذَّر قومهم أن يفعلوا فعلهم بعد ذلك ، وهو قوله : { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } .

وروى أسباط بن السدي قال : أقبلت أعراب هذيل وأصابتهم مجاعة ، واستعانوا بتمر المدينة وأظهروا الإسلام ، وكانوا يفخرون على المؤمنين ، فيقولوا : نحن أسلمنا طائعين بغير قتال وأنتم قوتلتم ، فنحن خير منكم ، فآذوا المؤمنين ، فأنزل الله تعالى فيهم يخبرهم بأمرهم قال : { وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } أي جميعاً { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ منهم } يعني : من كل بطن طائفة . فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعوا كلامه ، ثم رجعوا إلى قومهم فأخبروهم { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } يعني : يتعظون فيعملون به ولا يعملون بخلافه . وفي هذه الآية دليل أن أخبار الآحاد مقبولة ويجب العمل بها لأن الله تعالى أخبر أن الطائفة من الفرقة ، إذا تفقهت في الدين وأنذرت قومهم ، صحّ ذلك . ولفظ الطائفة يتناول الواحد والأكثر لأن أقل الفرقة اثنان ، والطائفة من الاثنين واحد .