السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ} (122)

وقوله تعالى :

{ وما كان المؤمنون لينفروا كافة } فيه احتمالان :

الأول أنه كلام مبتدأ لا تعلق له بالجهاد .

والثاني أن يكون من بقية أحكام الجهاد فعلى الأوّل يقال : وما استقام لهم أن ينفروا جميعاً لنحو غزو وطلب علم كما لا يستقيم لهم أن يتثبطوا جميعاً فإنه يخلّ بأمر المعاش { فلولا } أي : فهلا { نفر من كل فرقة } أي : قبيلة { منهم طائفة } أي : جماعة ومكث الباقون { ليتفقهوا } أي : ليتكلفوا الفقاهة { في الدين } ويتجشموا مشاق تحصيلها ليعرفوا الحلال من الحرام ويعودوا إلى أوطانهم { ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } أي : وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة إرشاد القوم وإنذارهم وتخصيصه بالذكر لأنه أهمّ وفيه دليل على أنّ التفقه والتذكير من فروض الكفاية وأنه ينبغي أن يكون غرض المتكلم فيه أن يستقيم ويقيم لا الترفع على الناس وصرف وجوههم إليه والتبسط في البلاد ليدخل في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( من سلك طريقاً يلتمس فيها علماً سهل الله تعالى له طريقاً إلى الجنة ) { لعلهم يحذرون } عقاب الله تعالى بامتثال أمره ونهيه ، وعلى الاحتمال الثاني يقال : إنه لما نزل في المتخلفين ما نزل سبق المؤمنين إلى النفير وانقطعوا عن التفقه فأمروا بأن ينفر من كل فرقة طائفة إلى الجهاد ويمكث الباقون يتفقهون حتى لا ينقطع التفقه الذي هو الجهاد الأكبر لأنّ الجدال بالحجة هو الأصل والمقصود من البعثة فيكون الضمير في ليتفقهوا ولينذروا لبواقي الفرق بعد الطوائف النافرة للغزو وفي رجعوا للطوائف ولينذروا لباقي قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصلوا أيام غيبتهم من العلوم قال ابن عباس : فهذه مخصوصة بالسرايا والتي قبلها بالنهي عن تخلف أحد فيما إذا خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم .