غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ} (122)

120

ثم قال : { وما كان المؤمنون } وفيه قولان : أحدهما أنه من بقية أحكام الجهاد لأنه سبحانه لما بالغ في عيوب المنافقين كان المسلمون إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى الكفار ينفرون جميعاً ويتركونه بالمدينة وحده فنزلت الآية . قاله ابن عباس . والمعنى أنه لا يجوز للمؤمنين أن ينفروا بأسرهم إلى الجهاد بل يجب أن يصيروا طائفتين إحداهما لملازمة خدمة الرسول والأخرى للنفر إلى الغزو . ثم هاهنا احتمالان لأنه قال محرضاً { فلولا نفر } أي هلا نفر { من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } فذهب الأكثر إلى أن الضمير في { ليتفقهوا } عائد إلى الفرقة الباقية في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم إذا بقوا في خدمته شاهدوا الوحي والتنزيل وضبطوا ما حدث من الشرائع ، وعلى هذا فلا بد من إضمار والتقدير : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة وأقام طائفة ليتفقه المقيمون في الدين { ولينذروا قومهم } النافرين { إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } معاصي الله عند ذلك وبهذا الطريق يتم أمر الدين بهاتين الطائفتين وإلا ضاع أحد الشقين ، والاحتمال الآخر ما روي عن الحسن أن الضمير يعود إلى الطائفة النافرة . وتفقههم هو أنهم يشاهدون ظهور المسلمين على المشركين وأن العدد القليل منهم من غير زاد ولا سلاح كيف يغلبون الجم الغفير من الكفار فينتبهون لدقائق صنع الله في إعلاء كلمته . فإذا رجعوا إلى قومهم أنذروهم بما شاهدوا من دلائل الحق فيحذروا أي يتركوا الكفر والشرك والنفاق . القول الثاني أنه ليس من بقية أحكام الجهاد وإنما هو حكم مستقل بنفسه ، ووجه النظم أن الجهاد أمر يتعلق بالسفر وكذلك التفقه ، أما في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فوجوبه ظاهر لمن ليس بحضرته حتى يصل إليه ويستفيد من خدمته لأن الشريعة ما كانت مستقرة بل كانت تتجدد كل يوم شيئاً فشيئاً ، وأما في زماننا فلا ريب أنه متى عجز عن التفقه إلا بالسفر وجب عليه ، وإن أمكنه في الحضر فلا شك أن للسفر بركة أخرى يعرفها كل من زاول الأسفار وحاول الأخطار ، ومعنى { ليتفقهوا } ليتكلفوا الفقاهة في الدين ويتجشموا المتاعب في أخذها وتحصيلها . والفقه في الاصطلاح هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المستنبطة من دلائلها التفصيلية . والظاهر أن المراد في الآية أعم من ذلك بحيث يشمل علوم الشرع كلها من التفسير والحديث وأصول الدين وأصول الفقه ومقدمات كل من ذلك وغاياتها بحسب الإمكان النوعي أو الشخصي . وفي قوله : { ولينذروا قومهم } إشارة إلى أن الغرض الأصلي من التعلم هو الإنذار والإرشاد لا ما يقصده علماء السوء من الأغراض الفاسدة كالمطاعم والملابس والمناصب والمفاخر ، أعاذنا الله تعالى بفضله من قبح النية وفساد الطوية ، وجعلنا ممن لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً . القائلون بأن خبر الواحد حجة قالوا : أوجب الله تعالى أن يخرج من كل فرقة طائفة ، والخارج من الثلاثة اثنين أو واحداً . ثم إنه أوجب العمل بأخبارهم بقوله : { ولينذروا } وأجيب بأن إيجاب الإنذار لا يدل على وجوب العمل لأن الشاهد الواحد يلزمه أداء الشهادة وإن لم يلزم القبول ورد بأن قوله : { لعلهم يحذرون } إيجاب للعمل بأخبارهم .

/خ129