جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{۞وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ} (122)

{ وما كان المؤمنون } ما استقام لهم ، { لينفروا كافة } أي : جميعا لغزو نزلت حين بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – السرايا بعد تبوك ينفر المؤمنون جميعا إلى الغزو حذرا مما أنزل الله تعالى في تخلف المنافقين عن تبوك فيتركون رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، { فلولا } أي : هلا ، { نفر من كل فرقة منهم } جماعة كثيرة ، { طائفة } جماعة قليلة ، { ليتفقهوا في الدين } أي : ليحصل القاعدون الفقه والقرآن{[2113]} وأحكامه ، { ولينذروا{[2114]} قومهم } : ليعلموا النافرين وخوفوهم لما نزل من الوحي ، { إذا رجعوا } من الغزو ، { إليهم لعلهم يحذرون{[2115]} } عما ينذروا عنه أو ليتفقه النافر أي : ليتبصروا بالغلبة على المشركين وينظروا صنائع الله تعالى ثم إذا رجعوا ينذروا قومهم من الكفار ويخبرهم بنصرة الدين لعلهم يحذرون ، أو نزلت حين نزلت أحياء العرب المدينة فغلت أسعارهم وفسدت طرقهم بالعذرات وحينئذ معنى الآية ظاهر ، أو نزلت حين خرج بعض الصحابة في البوادي فأصابوا منهم معروفا ودعوا الناس إلى الهدى فقال أهل البوادي فأصابوا : ما نراكم إلا وقد تركتم صاحبكم فرجعوا كلهم إلى المدينة فقال تعالى هلا رجع طائفة منهم يستمعوا ما أنزل الله تعالى بعدهم من الوحي ولينذروا ويخبروا قومهم أي : أهل البوادي بالفقه الذي تعلموه إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وقد ذكر في وجه النزول غير ما ذكرنا أيضا .


[2113]:في صحبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال محي السنة البغوي: الفقه هو معرفة أحكام الدين وهو ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية ففرض العين مثل علم الطهارة والصلاة والصوم، فعلى كل مكلف معرفته، وكذلك كل عبادة، أوجبها الشرع على واحد يجب عليه معرفتها ومعرفة علمها مثل علم الزكاة إن كان له مال وعلم الحج إن وجب عليه وأما فرض الكفاية هو أن يتعلم حتى يبلغ درجة الاجتهاد ورتبة الفتيا فإذا قعد أهال بلد عن تعلمه عصوا جميعا، وإذا قام من كل بلد واحد يتعلمه سقط الفرض عن الآخرين وعليهم تقليده فيما تقع لهم من الحوادث.
[2114]:دلت الآية على أنه يجب أن يكون المقصود من التفقه والتعلم دعوة الخلق إلى الحق وإرشادهم إلى الدين القويم والصراط المستقيم، لأن الآية تدل على أنه تعالى أمرهم بالتفقه في الدين لأجل أنهم إذا رجعوا إلى قومهم أنذروهم بالدين الحق ويحذرون الجهل والمعصية ويرغبون في قبول الدين فكل من تفقه لهذا الأمر كان على المنهج القويم والصراط المستقيم، ومن عدل عنه وطلب الدنيا بالدين كان من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا/ مفاتيح الغيب المعروف بالكبير.
[2115]:لما أمرهم بالغزو وعلمهم وظيفة النفر شرع يعلمهم كيفية نفرهم إلى الأعداء: "يا يأيها الذين آمنا قاتلوا الذين يلونكم" الآية /وجيز.