تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ} (122)

وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ) الآية اختلف أهل التأويل : قال بعضهم : إن نبي الله كان إذا خرج للغزو خرجوا جميعا ، فتبقى المدينة خالية من الرجال ، فنهى الله عن ذلك ، وقال : ما ينبغي للمؤمنين أن ينفروا كافة مع رسول الله ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) .

وقال بعضهم : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية خرجوا جميعا ، فبقي هو وحده ، لم يبق معه أحد ممن يشهد التنزيل ليخبر[ في الأصل وم : ليخبروا ] أولئك [ حين يحضرون ][ في الأصل وم : حضروا ] .

وقال آخرون : الآية في الوفود ؛ وذلك أن الوفود إذا قدموا من الآفاق المدينة قدموا مع النساء والذراري جميعا ، فأمروا أن ينفر[ من م ، في الأصل : ينفروا ] الرجال منهم دون النساء والذراري ، ومن كل قوم نفر ( ليتفقهوا في الدين ) .

ذكر في هذه الآية : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ) نهى الكل أن ينفرون ، وأمر في الآية الأخرى بنفر الكل بقوله : ( فانفروا ثبات أو انفروا جميعا )[ النساء : 71 ] فهو يخرج على وجهين ؛

أحدهما : أمر بالنفر الجميع عند قلة المؤمنين ليكون لهم الكفاية مع العدو .

والثاني : أمر بنفر الكل عند النفير .

فتكون إحدى الآيتين في حالة النفير ، والأخرى في[ أدرج قبلها في الأصل وم : أنها ] غير حال النفير وما ذكرنا في وقت القلة والكثرة .

فمن يقول : الآية في الذين كانوا يخرجون جميعا مع رسول الله إذا خرج ؛ كأنه نهى عن الخروج جملة مع رسول الله خوفا على أهاليهم وذراريهم ، لعل العدو سباهم ، وأخذ أموالهم . يقول الله : ( فلولا نفر من كل منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) أي هلا نفرت[ في الأصل وم : نفر ] طائفة منهم ، فيخبروا الكفار المقيمين بما أنزل الله على رسوله من النصر والمعرفة والهزيمة على الكفار الذين قاتلوا رسول الله ، فيكون ذلك سبب دعائهم إلى السلام . وإلى هذا يذهب الحسن والأصم .

ويقولون : إن هذه الآية نسخت الآية التي [ قبلها ، وهي ][ في الأصل م : قبله وهو ] قوله تعالى : ( مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ) يقول الحسن : إن عليهم أن يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ، فيقول : هذا منسوخ بالآية التي تليها ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ) الآية .

ومن يقول بأن الآية في الوفود الذين كانوا يأتون رسول الله المدينة بالنساء والذراري فالنهي لذلك لما كانوا يضيقون على أهل المدينة أوطانهم ، ويغلون أسعارهم ونحوه ؛ يقول : الآية في الذين خرجوا ، أو نفروا مع السرايا ؛ نهاهم عن خروج الكل لما لعله إذا نزل على رسوله شيئا ، فلم يكن معه أحد يبلغه إليه[ في الأصل وم : إليهم ] ، ثم يبلغ إلى من هو غاب عنه ، ضاع ذلك ، فيقول : ( كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ ) أي ليعلموا قومهم ما نزل على رسول الله وليبلغوا ذلك إلى من غاب عنه .

وقوله تعالى : ( من كل فرقة منهم طائفة ) قيل : من كل عصبة ومن كل قبيلة ومن كل حي .

ففي الآية دلالة سقوط فرض الجهاد عن الجماعة إذا قام بعضهم عن بعض . وفيه دلالة لزوم العمل بخبر الآحاد ، وإن احتمل الغلط ؛ لأن ما ذكر من الطائفة يحتمل أن يجتمعوا على ذلك كذبا أو غلطا ، ثم ألزم قومهم قبول خبر ، وإن احتمل الغلط والكذب بقوله ( وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) والآية تخرج على وجهين :

أحدهما : أن أهل بلدة وأهل قبيلة يختارون من يصلح للتفقه في الدين والتعلم ، فينفر ، حتى إذا تفقه ، وتعلم ، ورجع إلى [ قومه ، علمهم ][ في الأصل وم : قومهم فيعلمهم ] .

والثاني : [ أن ][ ساقطة من الأصل وم ] يأمر من يصلح للتفقه بالتخلف عن الجهاد إذا كان بهم غنية ليتفقهوا [ في الأصل وم : ليتفقه ] عند رسول الله ، فينذروا[ في الأصل وم : فينذر ] قومهم إذا رجعوا [ إليهم من غزوهم ][ في الأصل وم : إليه من غزائهم ] .