بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (34)

قوله تعالى :

{ المشركون يا أيها الذين ءامَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مّنَ الأحبار والرهبان } ، قال السدي : الأحبار اليهود ، والرهبان النصارى ؛ وقال ابن عباس : الأحبار العلماء ، والرهبان أصحاب الصوامع . { لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الناس بالباطل } ، يعني : بالظلم بغير الحق ، { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله } ؛ يعني : يصرفون الناس عن دين الله .

ثم بيّن الله تعالى حالهم للمؤمنين ، لكي يحذروا منهم ولا يطيعوهم . قوله تعالى : { والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله } ، أي يجمعونها ويمنعون زكاتها ؛ قال بعضهم : هذا نعت للأحبار والرهبان ، وقال بعضهم : هذا ابتداء في كل من جمع المال ومنع منه حق الله تعالى ، وقال ابن عباس : الكنز الذي لا يؤدى عنه زكاته .

وروى نافع ، عن ابن عمر أنه قال : أي مال كان على وجه الأرض لا تؤدى زكاته ، فهو كنز يعذب صاحبه يوم القيامة ؛ وما كان في بطن الأرض يؤدى زكاته ، فليس بكنز . وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : أربعة آلاف فما دونها نفقة ، وما كان أكثر منها فهو كنز . ثم قال { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، يعني : أهل هذه الصفة الذين يكنزون الذهب والفضة ، { ولا ينفقونها في سبيل الله } ، يعني : لا يؤدون حقها في طاعة الله تعالى ؛ وقال : { ولا ينفقونها } ولم يقل : ينفقونها ، لأنه انصرف إلى المعنى ، يعني : لا ينفقون الكنوز ؛ ويقال : لا ينفقون الأموال ؛ ويقال : يعني الفضة .

وقال بعضهم : نزلت في شأن الكفار ، وقال بعضهم : كان هذا في أول الإسلام ووجب عليهم أن يؤدوا الفضل ، ثم نسخ بآية الزكاة ؛ وقال بعضهم : كل مؤمن لا يؤدي الزكاة فهو من أهل هذه الآية ؛ وهو قوله تعالى : { يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ } .