فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦٓ أَكۡرِمِي مَثۡوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗاۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (21)

{ وقال الذي اشتراه من مصر } هو العزيز الذي كان على خزائن مصر وكان وزيرا لملك مصر وهو الريان ابن الوليد من العمالقة وقيل أن الملك هو فرعون موسى ، وقال ابن عباس : كان اسم المشتري قطفير وعن محمد ابن إسحاق أطفير ابن روحب وكان اسم امرأته راعيل بنت رعابيل واسم الذي باعه من العزيز مالك ابن ذعر قيل اشتراه بعشرين دينارا وقيل تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكا وعنبرا وحريرا وورقا وذهبا ولآليء وجواهر . وكان وزنه أربعمائة رطل .

روي أنه اشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة ولبث في منزله ثلاث عشرة سنة واستوزره الريان وهو ابن ثلاثين سنة وآتاه الله الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة .

فلما اشتراه العزيز قال { لامرأته } عن شعيب الجبائي أن اسم امرأة العزيز زليخا بفتح الزاي وكسر اللام والمد كما في القاموس أو بضم الزاء وفتح اللام على هيئة المصغر كما قال الشهاب وقيل اسمها راعيل بوزن هابيل وقيل أحدهما لقبها والآخر اسمها { أكرمي مثواه } أي منزله الذي يثوي فيه بالطعام الطيب واللباس الحسن يعني أحسني تعهده حتى تكون نفسه طيبة في صحبتنا وساكنة في كنفنا ويقال للرجل كيف أبو مثواك وأم مثواك لمن ينزل به من رجل أو امرأة يراد هل تطيب نفسه بثوائك عنده وهل يراعي حق نزولك .

وقال ابن عباس وقتادة : أكرمي منزلته والمثوى محل المثوى وهو الإقامة وإكرام مثواه كناية عن إكرامه على أبلغ وجه وأتمه لأن من أكرم المحل بإحسان الأسرة واتخاذ الفراش ونحوه فقد أكرم ضيفه بسائر ما يكرم به أو المقام مقحم كما يقال المجلس العالي والمقام السامي ومنه قول آزاد :

قلبي الذي يهواك طال نواه آت إليك فأكرمي مثواه .

وعن ابن مسعود قال : أفرس الناس ثلاثة العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته { أكرمي مثواه } الآية والمرأة التي أتت موسى فقالت لأبيها { يا أبت ستأجره } وأبو بكر رضي الله تعالى عنه حين استخلف عمر .

{ عسى أن ينفعنا } أي يكفينا بعض المهمات مما نحتاج فيه إلى مثله أو إن أردنا بيعه بعناه بربح { أو نتخذه ولدا } أي نتبناه فنجعله ولدا لنا قيل كان العزيز حصورا لا يأتي النساء أو كان عقيما لا يولد له كما جرى عليه القاضي والأصفهاني تبعا للكشاف وقد كان تفرس فيه أنه ينوب عنه فيما إليه من أمر المملكة .

{ وكذلك } إشارة إلى ما تقدم من إنجائه من إخوته وإخراجه من الجب وعطف قلب العزيز عليه أي مثل ذلك التمكين البديع { مكنا ليوسف } يقال مكنه فيه أي أثبته فيه ومكن له فيه أي جعل له فيه مكانا ولتقارب المعنيين يستعمل كل واحد منهما مكان الآخر يعني أعطيناه مكانة ورتبة عالية { في الأرض } أي في أرض مصر حتى صار متمكنا من الأمر والنهي وبلغ ما بلغ من السلطنة .

{ ولنعلمه } هو علة معلل محذوف كأنه قيل فعلنا ذلك التمكين لنعلمه أو كان ذلك الإنجاء لهذه العلة أو معطوف على مقدر وهو أن يقال مكنا ليوسف ليترتب على ذلك ما يترتب مما جرى بينه وبين امرأة العزيز ولنعلمه { من تأويل الأحاديث } أي عبارة الرؤيا وتفسيرها قاله مجاهد والتأويل قيل فهم أسرار الكتب الإلهية وسنن من قبله من الأنبياء ولا مانع من حمل ذلك على الجميع .

{ والله غالب على أمره } أي على أمر نفسه لا يمتنع منه شيء ولا يغالبه عليه غيره من مخلوقاته إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد لا دافع لأمره ولا راد لقضائه ومن جملة ما يدخل تحت هذا العام كما يفيد ذلك إضافة اسم الجنس إلى الضمير ما يتعلق بيوسف من الأمور التي أرادها الله سبحانه في شأنه وقيل المعنى أنه كان من أمر يعقوب أن لا يقص رؤياه على إخوته فغلب أمر الله سبحانه حتى قصت عليهم حتى وقع منهم ما وقع وهذا بعيد جدا .

{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون } أي لا يطلعون على غيب الله وما في طيه من الأسرار العظيمة والحكم النافعة وقيل المراد بالأكثر الجميع لأنه لا يعلم الغيب إلا الله وقيل أن الله سبحانه قد يطلع بعض عبيده على بعض غيبه كما في قوله { فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول } وقيل المعنى لا يعلمون أن الله غالب على أمره وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر وقيل ما هو صانع بيوسف وما يريد منه .