فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِ وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِمُ ٱلۡمَثُلَٰتُۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (6)

{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ( 6 ) }

{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ } نزل في استعجالهم العذاب استهزاء والسيئة العقوبة المهلكة ، والحسنة العافية والسلامة ، قالوا هذه المقالة لفرط إنكارهم وشدة تصميمهم .

{ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ } جمع مثلة كسمرة وهي العقوبة الفاضحة ، سميت بذلك لما بين العقاب والمعاقب عليه وهو الذنب من المماثلة في أن كلا منهما مذموم .

قال ابن الأنباري : المثلة العقوبة التي تبقى في المعاقب شيئا بتغيير بعض خلقه من قولهم مثل فلان بفلان إذا شان خلقه بقطع أنفه وسمل عينيه وبقر بطنه ، وقرئ بفتح الميم وإسكان الثاء تخفيفا لثقل الضمة ، قيل وهي لغة الحجاز ، وفي لغة تميم بضم الميم والثاء جميعا ، واحدتها على لغتهم مثلة ، مثل غرفة وغرفات ، وقرئ بفتحهما .

وقيل المثلة نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالا يرتدع غيره به . قال قتادة : المثلات العقوبات ، يعني وقائع الله في الأمم فيمن خلا قبلكم . وقال ابن عباس : المثلات ما أصاب القرون الماضية من العذاب ، والمعنى أن هؤلاء يستعجلونك بإنزال العقوبة بهم وقد مضت من قبلهم عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لا يعتبرون بهم ويحذرون من حلول ما حل بهم .

وهذا الاستعجال من هؤلاء هو على طريقة الاستهزاء كقولهم اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ } أي لذو تجاوز عظيم ، والمراد بها الإمهال وتأخير العذاب { لِّلنَّاسِ عَلَى } أي مع { ظُلْمِهِمْ } باقترافهم الذنوب ووقوعهم في المعاصي إن تابوا عن ذلك ورجعوا إلى الله سبحانه ، والجار والمجرور في محل نصب على الحال أي حال كونهم ظالمين .

وفي الآية بشارة عظيمة ورجاء كبير ، لأن من المعلوم أن الإنسان حال اشتغاله بالظلم لا يكون تائبا فيجور العفو قبل التوبة ولهذا قيل إنها في عصاة الموحدين خاصة .

وقيل المراد بالمغفرة هنا تأخير العقاب إلى الآخرة كما تقدم ليطابق ما حكاه الله من استعجال الكفار للعقوبة ، وكما يفيده قوله تعالى { وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ } فيعاقب من يشاء من العصاة المكذبين من الكافرين عقابا شديدا على ما تقتضيه مشيئته في الدار الآخرة فتأخير ما استعجلوه ليس للإهمال .

عن سعيد بن المسيب قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش ، ولولا وعيده وعقابه لاتَّكل كل أحد ) {[988]} .


[988]:ابن كثير 501.