فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ} (14)

{ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ( 14 ) }

{ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ } الإضافة للملابسة أي الدعوة الملابسة للحق المختصة به التي لا مدخل للباطل فيها بوجه من الوجوه كما يقال كلمة الحق والمعنى أنها دعوة مجابة واقعة في موقعها لا كدعوة من دونه ، وقيل الحق هو الله سبحانه ، والمعنى أن لله سبحانه دعوة المدعو الحق وهو الذي يسمع فيجيب ، وقيل المراد بدعوة الحق ها هنا كلمة التوحيد والإخلاص ، والمعنى لله من خلقه أن يوحدوه ويخلصوا له ، وقيل معنى كونها له تعالى أنه شرعها وأمر بها وجعلها افتتاح الإسلام بحيث لا يقبل بدونها ، وقيل دعوة الحق دعاؤه سبحانه عند الخوف فإنه لا يدعى فيه سواه كما قال تعالى : { ضل من تدعون إلا إياه } وقيل الدعوة العبادة فإن عبادة الله هي الحق والصدق .

{ وَ } الآلهة { الَّذِينَ يَدْعُونَ } بالياء متواترة وبالتاء شاذة لا من السبعة ولا من العشرة وعليها فيقرأ كباسط بالتنوين ويكون في قوله الآتي لا يستجيبون التفات { مِن دُونِهِ } أي غير الله عز وجل وهم الأصنام { لاَ يَسْتَجِيبُونَ } أي لا يجيبون { لَهُم بِشَيْءٍ } مما يطلبونه منهم كائنا ما كان { إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء } أي استجابة الماء لمن بسط كفيه إليه من بعيد فإنه لا يجيبه لأنه جماد لا يشعر بحاجته إليه ، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ولا يدري أنه طلب منه { لِيَبْلُغَ فَاهُ } بارتفاعه من البئر إليه ولهذا قال { وَمَا هُوَ } أي الماء { بِبَالِغِهِ } أي ببالغ فيه .

وقيل وما الفم ببالغ الماء إذ كل واحد منهما لا يبلغ الآخر على هذه الحال ، وقيل وما باسط كفيه إلى الماء ببالغ الماء ذكره السمين ، والأول أولى .

أعلم الله سبحانه أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان إلى الماء ليقبض عليه فلا يحصل في كفه شيء منه ، وقد ضرب العرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقبض على الماء ، وقال الفراء : أن المراد بالماء هنا ماء البئر لأنها معدن للماء وإنه شبهه بمن مد يديه إلى البئر بغير رشا .

ضرب الله سبحانه هذا مثلا لمن يدعو غيره من الأصنام ، عن علي قال : كان الرجل العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه ، وعن ابن عباس قال : هذا مثل المشرك الذي عبد مع الله غيره فمثله كمثل الرجل العطشان الذي ينظر إلى خياله في الماء من بعيد وهو يريد أن يتناوله ولا يقدر عليه .

{ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ } أي عبادتهم الأصنام أو حقيقة الدعاء والأول هو الظاهر ، والثاني قول ابن عباس { إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } أي يضل عنهم ذلك الدعاء إذا احتاجوا إليه لأن أصواتهم محجوبة عن الله تعالى فلا يجدون منه شيئا ولا ينفعهم بوجه من الوجوه بل هو ضائع ذاهب .