فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٞ} (26)

{ اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ( 26 ) }

{ اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ } أي يوسعه { لِمَنْ يَشَاء } أي لمن كان كافرا استدراجا { وَيَقَدِرُ } أي ويقتره على من كان مؤمنا ابتلاء وامتحانا وتكفيرا لذنوبه ولا يدل البسط على الكرامة ، ولا القبض على الإهانة ، ومعنى يقدر يضيق ، ومنه ومن قدر عليه رزقه ، أي ضيق ، وقيل معنى يقدر يعطي بقدر الكفاية ، وقرأ السبعة يقدر بكسر الدال وهو أفصح ، واستعمل بالضم أيضا على ما في المصباح ، ومعنى الآية إنه الفاعل لذلك وحده القادر عليه دون غيره .

{ وَفَرِحُواْ } أي مشركو مكة { بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فرح بطر لا فرح سرور والفرح لذة تحصل في القلب عند حصول المشتهى وجهلوا ما عند الله ، والجملة مستأنفة لبيان قبح أفعالهم مع ما وسعه عليهم ، وفيه دليل على أن الفرح بالدنيا والركون إليها حرام .

قيل وفي هذه الآية تقديم وتأخير ، والتقدير ويفسدون في الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا ، والأول أولى لأنه ماض وما قبله مستقبل ، وقيل العطف على ينقضون ولا يصح لأنه يستلزم تخلل الفاصل بين أبعاض الصلة .

{ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ } أي بالنسبة إليها وفي جنبها ففي هنا للمقايسة وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق وليست ظرفا للحياة ولا للدنيا لأنهما يكونان في الآخرة { إِلاَّ مَتَاعٌ } أي ما هي إلا شيء يستمتع به . وقيل المتاع واحد الأمتعة كالقصعة والسكرجة ونحوهما ، وقيل المعنى شيء قليل ذاهب من متع النهار إذا ارتفع فلا بد من زوال ، وقيل زاد كزاد الراكب يتزودونه منها إلى الآخرة . وقال عبد الرحمن بن سابط : كزاد الراعي يزوده أهله الكف من التمر أو الشيء من الدقيق أو الشيء يشرب عليه اللبن .

وعن ابن عباس قال : كان الرجل يخرج في الزمان الأول في إبله أو غنمه فيقول لأهله متعوني فيمتعونه فلقة الخبز أو التمر ، فهذا مثل ضربه الله للدنيا .

وأخرج الترمذي وصححه عن ابن مسعود قال : نام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه ، فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك ، فقال : ( مالي وللدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ) {[1002]} .

وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن المستورد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم فلينظر بم يرجع ) وأشار بالسبابة{[1003]} .


[1002]:الترمذي كتاب الزهد باب 44.
[1003]:مسلم 2858.