فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (264)

يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لايهدي القوم الكافرين 264

( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم ) يعني أجورها والإبطال للصدقات إذهاب أثرها وإفساد منفعتها ، أي لا تبطلوها ( بالمن والأذى ) أو بأحدهما يعني على السائل الفقير ، وقال ابن عباس : بالمن على الله والأذى لصاحبها . قال بعضهم : ذهب أجره فلا أجر له ولا وزر عليه ، وقال بعضهم : له أجر الصدقة ولكن ذهبت مضاعفته وعليه الوزر بالمن ، قال الكرخي : وهذا أوجه وقال بعضهم : لا أجر له في نفقته وعليه وزر فيما من على الفقير .

( كالذي ) أي كإبطال الذي ( ينفق ماله رئاء الناس ) أي لأجل الرياء أو مرائيا لا يقصد بذلك وجه الله وثواب الآخرة بل يفعل ذلك رياء للناس وسمعة واستجلابا لثنائهم عليه ومدحهم له ، قيل والمراد به المنافق بدليل قوله ( ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ) قال ابن عباس : لا يدخل الجنة منان ، وذلك في كتاب الله يعني هذه الآية .

( فمثله ) أي مثل الذي ينفق رئاء الناس أو المان المعطي وقد عدل من خطاب إلى غيبة ومن جمع إلى إفراد ( كمثل صفوان ) الصفوان الحجر الكبير الأملس الصلب ، وفيه لغتان أشهرهما سكون الفاء والثانية فتحها ، وبها قرأ ابن المسيب والزهري وهي شاذة ، وقال الأخفش : صفوان جمع صفوانة ، وقال الكسائي : صفوان واحد وجمعه صفى واصفى وأنكره المبرد ، وقال النحاس : يجوز أن يكون جمعا وأن يكون واحدا وهو أولى لقوله ( عليه تراب ) أي استقر على الصفوان ( فأصابه ) أي الصفوان أو التراب ( وابل ) أي مطر ، والوابل المطر الشديد العظيم القطر ، والمطر أوله رش ثم طش ثم طل ثم نضح ثم هطل ثم وبل ، يقال وبلت السماء وبلا ، ووبولا اشتد مطرها ، وكان الأصل وبل مطر السماء فحذف للعلم به ولهذا يقال للمطر وابل .

مثل الله سبحانه هذا المنافق بصفوان عليه تراب يظنه الظان أرضا منبتة طيبة ، فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب ( فتركه ) أي الصفوان يعني بقي ( صلدا ) أي أجرد نقيا من التراب الذي كان عليه ، وأملس ليس عليه شئ من الغبار أصلا ، وكذلك حال هذا المرائي يوم القيامة فإن نفقته لا تنفع ، قال ابن عباس صلدا أي يابسا جاسيا لا ينبت شيئا .

و ( لا يقدرون على شئ مما كسبوا ) أي على ثواب شئ مما عملوا في الدنيا ، مستأنفة كأنه قيل ماذا يكون حالهم فقيل لا يقدرون الخ ( والله لا يهدي القوم الكافرين ) يعني الذي سبق في علمه أنهم يموتون على الكفر ، وفيه تعريض بأن المن والأذى والرياء من خصال الكفار .

وعن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما اخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا يا رسول الله و ما الشرك الأصغر ، قال : الرياء يقال لهم يوم تجازى العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤن في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم خيرا " رواه البغوي بسنده " {[275]} .

وعن ابي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن أشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري وتركته وشركه " .


[275]:وروي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه نظر الى رجل وهو يطأطئ رقبته، فقال يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب انما الخشوع في القلوب. وقيل: ان ابا امامة البياهلي رضي الله عنه اتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده ويدعو، فقال له ابو امامة: انت، انت، لو كان هذا في بيتك.