فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ} (74)

{ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } هذه العبادة لهذه الأصنام ، فقلدناهم مع كونها بهذه الصفة التي هي سلب السمع والنفع والضر عنها ، وفي أبي السعود هذا الجواب منهم اعتراف بأنها بمعزل عما ذكر من السمع والمنفعة والمضرة بالمرة ، واضطروا إلى إظهار أن لا مستند لهم سوى التقليد أي ما علمنا ولا رأينا منهم ما ذكر من الأمور ، بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ، فاقتدينا بهم . انتهى .

قال الخازن : وفي الآية دليل على إبطال التقليد في الدين وذمة ، ومدح الأخذ بالاستدلال انتهى . وهذا الجواب هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز ويمشي بها كل أعرج ، ويغتر بها كل مغرور ، وينخدع لها كل مخدوع ، فإنك لو سألت الآن هذه المقلدة للرجال التي طبقت الأرض ، بطولها والعرض ، وقلت لهم : ما الحجة لكم على تقليد فرد من أفراد العلماء ؟ والأخذ بكل ما يقوله في الدين ويبتدعه من الرأي المخالف للدليل ؟ لم يجدوا غير هذا الجواب ولا فاهوا بسواه ، وأخذوا يعدون عليك من سبقهم إلى تقليد هذا من سلفهم ، واقتدى بقوله وفعله ، وهم قد ملئوا صدورهم هيبة ، وضاقت آذانهم عن تصورهم وظنوا أنهم خير أهل الأرض ، وأعلمهم وأورعهم فلم يسمعوا لناصح نصحا ولا لداع إلى الحق دعاء ، ولو فطنوا لرأوا أنفسهم في غرور عظيم ، وجهل شنيع وأنهم كالبهيمة{[1335]} العمياء وأولئك الأسلاف كالعمي الذين يقودون البهائم العمي كما قال الشاعر :

كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الحائر

فعليك أيها العامل بالكتاب والسنة المبرأ من التعصب والتعسف ، إن تورد عليهم حجج الله ، وتقيم عليهم براهينه ، فإنه ربما انقاد لك منهم من لم يستحكم داء التقليد في قلبه ، وأما من قد استحكم في قلبه هذا الداء العضال فلو أوردت عليه كل حجة ، وأقمت عليه كل برهان ، لما أعارك إلا أذنا صماء وعينا عمياء ، ولكنك قد قمت بواجب البيان الذي أوجبه عليك القرآن ، والهداية بيد الخلاق العليم ، أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .


[1335]:هذا كلام لا يليق.