فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ۩} (26)

ثم بعدما وصف الرب سبحانه بما تقدم ، مما يدل على عظيم قدرته ، وجليل سلطانه ، وسعة علمه ، ووجوب توحيده ، وتخصيصه بالعبادة قال :{ الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } بالجر نعتا للعرش ، وبالرفع نعتا للرب وخص العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات ، كما ثبت ذلك في المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما عرش بلقيس بتعظيمه بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك ، وهذا بالنسبة إلى جميع الموجودات من السماء والأرض ، وبينهما عظيم كما تقدم ، وإلى هنا كلام الهدهد ، لكنه من قوله : الذي يخرج إلى هنا ليس داخلا تحت قوله : أحطت بما لم تحط به يعني ليس مما علمه الهدهد دون سليمان ، بل سليمان يعلمه أيضا على وجه أتم وأكمل من علم الهدهد ، وإنما ذكره الهدهد بيانا لما هو عليه معتقده ، وإظهارا لتصلبه في الدين .

فلما فرغ الهدهد من كلامه { قال } له سليمان : { سننظر } فيما أخبرتنا به من هذه القصة ، ونتعرف . والنظر والتأمل والتصفح : فيه إرشاد إلى البحث عن الأخبار ، والكشف عن الحقائق ، وعدم قبول خبر المخبرين تقليدا لهم ، واعتمادا عليهم ، إذا تمكن من ذلك بوجه من الوجوه .

{ أصدقت ؟ } فيما فقلت ، والهمزة استفهامية .

{ أم كنت من الكاذبين ؟ } أم هي المتصلة ، وهذا القول أبلغ من قوله أم كذبت فيه ، مع أنه أخصر وأشهر لأن المعنى من الذين اتصفوا بالكذب ، وصار خلقا لهم ، فهو يفيد أنه كاذب لا محالة على أتم وجه ، ومن كان كذلك لا يوثق به .

وقال البيضاوي : التغيير للمبالغة ، والمحافظة على الفواصل .