فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ} (25)

{ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ( 25 ) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( 26 ) ( س ) قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( 27 ) اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ( 28 ) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ( 29 ) }

{ ألاّ يسجد لله } قال ابن الأنباري : الوقف على لا يهتدون غير تام عند من شدد ( ألاّ ) لأن المعنى وزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا .

وقال النحاس : هي ( أن ) دخلت عليها ( لا ) قال الأخفش : أي زين لهم أن لا يسجدوا لله بمعنى لئلا يسجدوا ، فهو على الوجهين مفعول له . وقيل : فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله ، و ( لا ) على هذا زائدة ، كقوله : ما منعك أن لا تسجد ، وعلى قراءة الجمهور ليس هذه الآية موضع سجدة ، لأن ذلك إخبار عنهم بترك السجود ، إما بالتزيين ، أو بالصد ، أو بمنع الاهتداء . وقد رجح كونه علة للصد الزجاج ، ورجح الفراء كونه علة لزين ، قال : زين لهم أعمالهم لئلا يسجدوا .

وقرئ ألا بالتخفيف ، وعلى هذا فهي حرف تنبيه واستفتاح ، وما بعدها حرف نداء ، ألايا اسجدوا ، واسجدوا فعل أمر ، وتقديره ألا يا هؤلاء اسجدوا ، قال الزجاج ، وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود ، دون قراءة التشديد ، ولقراءة التخفيف وجه حسن إلا أن فيها انقطاع الخبر عن أمر سبأ ثم الرجوع بعد ذلك على ذكرهم والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع في وسطه . وكذا قال النحاس ، وعلى هذه تكون جملة ألا يا اسجدوا معترضة من كلام الهدهد أو من كلام سليمان ، أو من كلام الله سبحانه .

وقرأ ابن مسعود ( هلا تسجدوا ) بالفوقية . وقرأ أبيّ ( ألا تسجدوا ) بالتاء وفيه مناسبة لما قبله ، وهي الرد على من يعبد الشمس وغيرها من دون الله .

{ الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض } يقال : خبأت الشيء أخبأه خبأ ، والخبء ما خبأت ، أي يظهر ما هو مخبوء ومخفي فيهما ، لأنه لا يستحق العبادة إلا من هو قادر على من فيها ، عالم بجميع المعلومات ، وفي إخراج الخبء دليل على القدرة .

قال الزجاج : جاء في التفسير أن الخبء ههنا بمعنى القطر من السماء ، والنبات من الأرض ، وقيل : خبئ الأرض كنوزها ونباتها ، وقال قتادة : الخبء السر . قال النحاس : أي ما غاب فيهما ، الخبء بفتح الباء من غير همزة ، وقرئ الخبأ بالألف . قال أبو حاتم : وهذا لا يجوز في العربية ورد عليه بأن سيبويه حكى عن العرب ، أن الألف تبدل من الهمز إذا كان قبلها ساكن . وقرئ : من السماوات ، قال الفراء : من وفي تتعقبان . عن ابن عباس قال : يعلم كل خبيئة في السماء والأرض .

{ ويعلم ما تخفون وما تعلنون } قرئ بالتحلية في الفعلين ، وبالفوقية للخطاب ، أما الأولى فلكون الضمائر المتقدمة ضمائر غيبة ، وأما الثانية فلكون القراءة فيها الأمر بالسجود ، والخطاب لهم لذلك ، فهذا من ذلك الخطاب ،

والمعنى أن الله سبحانه يخرج ما في هذا العالم الإنساني من الخفي بعلمه له ، كما يخرج ما خفي في السماء والأرض ، وفيه دليل على إثبات العلم ، والإعلان ذكره لتوسيع دائرة العلم للتنبيه على تساويهما بالنسبة إلى علمه تعالى ،