فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ) يوم القيامة ولم يبخس منه شيء قال قتادة محضرا موفرا ( وما عملت من سوء ) محضرا ( تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) الأمد الغاية وجمعه آماد ، قال السدي أي مكانا بعيدا ، وعن ابن جريج أمدا أي أجلا وعن الحسن قال يسر أحدكم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا يكون ذلك مناه ، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئة يستلذها .

وفي السمين : الأمد غاية الشيء ومنتهاه ، والفرق بين الأمد والأبد أن الأبد مدة من الزمان غير محدودة ، والأمد مدة لها حد مجهول ، والفرق بين الأمد والزمان أن الأمد يقال باعتبار الغاية ، والزمان عام في المبتدأ والغاية انتهى ، قال السيوطي أي غاية في نهاية البعد فلا يصل إليها : اه ، وهو أعم من المكان والزمان وعبارة الخازن أي مكانا بعيدا ، كما بين المشرق والمغرب .

( ويحذركم الله نفسه ) كرر للتأكيد وللاستحضار ليكون هذا التهديد العظيم على ذكر منهم لا يغفلون عنه ، قيل والأحسن ما قاله التفتازاني أن ذكره أولا للمنع من موالاة الكافرين وثانيا للحث على عمل الخير والمنع من عمل الشر ( والله رؤوف بالعباد ) ومن رأفته بهم أنه حذرهم نفسه ، قاله الحسن وفيه دليل على أن هذا التحذير الشديد مقترن بالرأفة منه سبحانه لعباده لطفا بهم ، وما أحسن ما يحكى عن بعض العرب أنه قيل له إنك تموت وتبعث وترجع إلى الله فقال أتهددونني بمن لم أر الخير قط إلا منه .