فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَجَعَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلۡبَاقِينَ} (77)

{ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ } وحدهم دون غيرهم كما يشعر به ضمير الفصل وذلك لأن الله أهلك الكفرة بدعائه ، ولم يبق منهم باقية ، ومن كان معه في السفينة من المؤمنين ماتوا كما قيل ولم يبق إلا أولاده قال سعيد بن المسيب : كان ولد نوح ثلاثة والناس كلهم من ولد نوح فسام أبو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى ، وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب السند والهند والنوب والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم ويافث أبو الصقالب والترك والخزر ويأجوج ومأجوج وغيرهم وقيل : إنه كان لمن مع نوح ذرية كما يدل عليه قوله : { ذرية من حملنا مع نوح } وقوله : { قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم } فيكون على هذا معنى الآية : ذريته وذرية من معه دون ذرية من كفر ، فإن الله أغرقهم فلم يبق لهم ذرية والأول أولى .

وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآية قال : ( حام وسام ويافث ) {[1436]} وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم ) والحديثان هما من سماع الحسن عن سمرة ، وفي سماعه منه مقال معروف وقد قيل : إنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة فقط ، وما عداه فبواسطة قال ابن عبد البر .

وقد روي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله .

وأخرج البراز وابن أبي حاتم والخطيب في تالي التلخيص عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ولد نوح ثلاثة سام وحام ويافث ، فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم ، وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم ، وولد حام القبط والبربر والسودان ) وهو من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سعيد ابن المسيب عنه .

قلت : في الآية دليل على أن الطوفان عم كل البلاد ، وشمل جميع العباد ، ولم يبق أحد من الناس سوى من كان معه في السفينة ، والفرس وسائر المجوس والكلدانيون أهل بابل والهند وأهل الصين وأصناف الأمم المشرقية ينكرون الطوفان ، وأقر به بعض الفرس لكنهم قالوا لم يسكن الطوفان بسوى الشام والمغرب ، ولم يعم العمران كله ، ولا أغرق إلا بعض الناس ، ولم يتجاوز عقبة حلوان ، ولا بلغ إلى ممالك المشرق ، قالوا : ووقع في زمان طهمورث ، وأن أهل المغرب لما أنذر حكماؤهم بالطوفان اتخذوا المباني العظيمة كالهرمين بمصر ونحوهما ليدخلوا فيها عند حدوثه ، ولما بلغ طهمورث الإنذار بالطوفان قبل كونه بمائة واحدى وثلاثين سنة أمر باختيار مواضع في مملكته صحيحة الهواء والتربة ، فوجد ذلك بأصبهان فأمر بتجليد العلوم ودفنها فيها في أسلم المواضع ، ويشهد لهذا ما وجد بعد الثلثمائة من سني الهجرة في حي من مدينة أصفهان من التلال التي انشقت عن بيوت مملوءة أعدالا عدة كثيرة قد ملئت من لحاء الشجر التي تلبس بها القسي ، وتسمى التو ر مكتوبة بكتابة لم يدر أحد ما هي ، ذكره المقريزي في الخطط ، وقال بعض محققي الهنود : إن سري كشن الهندي قد أخبر قبل وفاته بسبعة أيام أن بلدة دواركا ستغرق عن قريب وأشار إلى حصول الطوفان بأرض الهند ، والحق ما دلت عليه هذه الآية وغيرها من عموم الغرق للعمران ، وشمول الطوفان لجميع الأرض ونوع الإنسان ، ولا يلتفت إلى قول من أنكره أو أوله أو خصه ببعض الأمكنة دون بعضها فإنه إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } .


[1436]:أخرجه أحمد والترمذي وصحيح الجامع /6145.