فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن والضعف فقال :

{ فلا تهنوا } أي فلا تضعفوا عن القتال ، والوهن الضعيف ، والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والحكم عام لجميع المسلمين { وتدعوا إلى السلم } أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداء منكم ، فإن ذلك لا يكون إلا عند الضعف . قال الزجاج : منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا ، وقرئ تدعوا من ادعى القوم وتداعوا ، والسلم بفتح السين وكسرها سبعيتان ، قال قتادة : معنى الآية لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها .

واختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فقيل : إنها محكمة ، وأنها ناسخة لقوله : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } وقيل : منسوخة بهذه الآية ، ولا يخفاك أنه لا مقتضى للقول بالنسخ ، فإن الله سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية عن أن يدعو إلى السلم ابتداء ولم ينه عن قبول السلم إذا جنح إليه المشركون ، فالآيتان محكمتان ، ولم يتواردوا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ أوالتخصيص ، بل نزلتا في وقتين مختلفي الأحوال ، وجملة { وأنتم الأعلون } حالية أو مستأنفة مقررة لما قبلها من النهي ، أي وأنتم القاهرون الغالبون بالسيف والحجة ، قال الكلبي : أي آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات .

{ والله معكم } بالنصر والمعونة عليهم { ولن يتركم أعمالكم } أي لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم ، يقال : وتره يتره وترا إذا أنقصه حقه ، وأصله من وترت الرجل إذا قتلت له قريبا أو نهبت له مالا ، ويقال : فلان مأتور إذا قتل له قتيل ، ولم يؤخذ بدمه ، قال الجوهري : أي لن ينقصكم في أعمالكم ، كما تقول : دخلت البيت وأنت تريد في البيت ، قال الفراء : هو مشتق من الوتر وهو الذحل وقيل : مشتق من الوتر وهو الفرد ، فكأن المعنى ولن يفردكم بغير ثواب قال ابن عباس : يتركم يظلمكم .