فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

{ ها أنتم } يا مخاطبون { هؤلاء } الموصوفون وجملة { تدعون } مستأنفة مقررة ومؤكدة لما قبلها لاتحاد محصل معناها { لتنفقوا في سبيل الله } أي في الجهاد ، وفي طرق الخير { فمنكم من يبخل } بما يطلب منه ويدعي إليه من الإنفاق في سبيل الله ، وإذا كان منكم من يبخل باليسير من المال ، فكيف لا يبخلون بالكثير ، وهو جميع الأموال ، ومقابله ومنكم من يجود وحذف ، لأن المراد الإستدلال على البخل ثم بين سبحانه أن ضرر البخل عائد على النفس فقال :

{ ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه } أي : يمنعهما الأجر والثواب ، وبخل وضن يتعديان تارة بعلى ، وبعن أخرى ، لتضمينهما معنى الإمساك ، والتعدي قال السمين : والأجود أن يكونا حال تعديهما بعن مضمنين معنى الإمساك وقيل : المعنى يبخل عن داعي نفسه ، لا عن داعي ربه { والله الغني } المطلق المتنزه عن الحاجة إلى أموالكم { وأنتم الفقراء } إلى الله وإلى ما عنده من الخير والرحمة .

{ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } معطوف على الشرطية المتقدمة وهي إن تؤمنوا والمعنى إن تعرضوا عن الإيمان والتقوى ، يستبدل قوما آخرين يكونوا مكانكم ، هم أطوع لله منكم .

" عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية قالوا : من هؤلاء ؟ وسليمان إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هم الفرس هذا وقومه " ، وفي إسناده مسلم الزنجي ، قد تفرد به ، وفيه مقال معروف ، ولهذا حديث طرق في الصحيح{[1501]} ،

" وعن أبي هريرة قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ، ثم لا يكونوا أمثالنا ؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ، ثم قال : هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس " أخرجه الترمذي وابن مردويه من حديث جابر والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل ، وعبد بن حميد وعبد الرزاق وفي إسناده أيضا مسلم ابن خالد الزنجي نحوه .

وقال عكرمة : هم فارس والروم ، وقال الحسن : هم العجم ، وقال شريح بن عبيد : هم أهل اليمن وقيل الأنصار وقيل : الملائكة ، وقيل : التابعون وقال مجاهد : هم من شاء الله من سائر الناس ، وقال الكلبي : هم كندة والنخعي عن عرب اليمن ، وقال المحاسبي : فلا أحد يعد من جميع أجناس الأعاجم أحسن دينا ، ولا كانت منهم العلماء إلا الفرس .

" وحكي عن أبي موسى الأشعري : أنه لما نزلت هذه الآية فرح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هي أحب إلي من الدنيا " والله أعلم ولينظر في سنده .

{ ثم لا يكونوا أمثالكم } في التولي عن الإيمان والتقوى ، بل مطيعين له عز وجل ، قال ابن جرير في البخل بالإنفاق في سبيل الله ، وكلمة ثم للدلالة على أن مدخولها مما يستبعده المخاطبون لتقارب الناس في الأحوال واشتراكهم في الميل إلى المال .


[1501]:الطبراني: 26/66.