{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } هما آدم وحواء ، والمقصود أنهم متساوون لاتصالهم بنسب واحد ، وكونهم يجمعهم أب واحد وأم واحدة ، وأنه لا موضع للتفاخر بينهم بالأنساب ، وقيل : المعنى أن كل واحد منكم من أب وأم ، فالكل سواء .
عن ابن أبي مليكة قال : " لما كان يوم الفتح رقى بلال فأذن على الكعبة ، فقال بعض الناس : أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة ؟ وقال بعضهم : إن سخط الله هذا يغيره ، فنزلت هذه الآية " أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل .
وعن الزهري قال : " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم ، فقالوا : يا رسول الله أنزوج بناتنا موالينا ؟ فنزلت هذه الآية " أخرجه أبو داود في مراسيله وابن مردويه والبيهقي في سننه ، وقال الزهري : نزلت في أبي هند خاصة ، وعن عمر بن الخطاب أن هذه الآية هي مكية ، وهي للعرب خاصة الموالي أي قبيلة لهم وأي شعاب .
{ وجعلناكم شعوبا وقبائل } الشعوب جمع شعب بفتح الشين ، وهو الحي العظيم مثل مضر وربيعة ، والقبائل دونها كبني بكر من ربيعة ، وبني تميم من مضر ، قال الواحدي : هذا قول جماعة من المفسرين سموا شعبا لتشعبهم واجتماعهم ، كشعب أغصان الشجرة ، والشعب من أسماء الأضداد يقال شعبته إذا جمعته ، وشعبته إذا فرقته ومنه سميت المنية شعوبا لأنها مفرقة فأما الشعب بالكسر فهو الطريق في الجبل ، قال الجوهري : الشعب ما تشعب من قبائل العرب والعجم ، والجمع الشعوب وقال مجاهد : الشعوب البعيد من النسب والقبائل دون ذلك وقال قتادة : الشعوب النسب الأقرب وقيل : أعلى طبقات النسب ، وقيل : إن الشعوب عرب اليمن من القحطان والقبائل من ربيعة ومضر ، وسائر عدنان وقيل : الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب .
وحكى أبو عبيدة أن الشعب أكثر من القبيلة ، ثم القبيلة ، ثم العمارة ثم البطن . ثم الفخد ، ثم الفصيلة ، ثم العشيرة ، وكل واحدة تدخل فيما قبلها فالقبائل تحت الشعوب ، والعمائر تحت القبائل ، والبطون تحت العمائر ، والأفخاذ تحت البطون ، والفصائل تحت الأفخاذ ، والعشائر تحت الفصائل ، فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصي بطن ، وعبد مناف فخذ . وبنو هاشم فصيلة ، والعباس عشيرة ، وليس بعد العشيرة حي يوصف ، ومما يؤيد ما قاله الجمهور من أن الشعب أكثر من القبيلة قول الشاعر :
قبائل من شعوب ليس فيهم كريم قد يعد ولا نجيب
قال ابن عباس : الشعوب القبائل العظام ، والقبائل البطون ، وعنه قال : الشعوب الجماع ، والقبائل الأفخاذ التي يتعارفون بها ، وعنه قال : القبائل الأفخاذ ، والشعوب الجمهور مثل مضر .
{ لتعارفوا } أي : خلقناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضا . والفائدة في التعارف أن ينتسب كل واحد منهم إلى نسبه ولا يعتزي إلى غيره ، ويصل رحمه والمقصود من هذا أن الله سبحانه خلقهم كذلك لهذه الفائدة لا للتفاخر بأنسابهم ، ودعوى أن هذا الشعب أفضل من هذا الشعب وهذه القبيلة أكرم من هذه القبيلة ، وهذا البطن أشرف من هذا البطن ، وإنما الفخر بالتقوى ، قرأ الجمهور لتعارفوا بتخفيف التاء ، وأصله لتتعارفوا ، وقرئ بتشديدها على الإدغام ، وقرئ بتاءين ثم علل سبحانه ما يدل عليه الكلام من النهي عن التفاخر فقال :
{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم } أي أن التفاضل بينكم إنما هو بالتقوى فمن تلبس بها فهو المستحق لأن يكون أكرم ممن لم يتلبس بها ، وأشرف وأفضل فدعوا ما أنتم فيه من التفاخر بالأنساب فإن ذلك لا يوجب كرما ، ولا يثبت شرفا ، ولا يقتضي فضلا ، قرأ الجمهور بكسر إن وقرئ بفتحها أي لأن أكرمكم .
عن أبي هريرة قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أكرم ؟ قال : أكرمهم عند الله أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله بن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فعن معادن العرب تسألوني ؟ قالوا : نعم ، قال : خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا {[1528]} " أخرجه البخاري وغيره ، وقال عمر بن الخطاب : أتقاكم للشرك ، وقد وردت أحاديث في الصحيح وغيره أن التقوي هي التي تتفاضل بها العباد .
{ إن الله عليم } بكل معلوم ، ومن ذلك أعمالكم { خبير } بما تسرون وما تعلنون ، ولا تخفى عليه من ذلك خافية ، ولما ذكر سبحانه أن أكرم الناس عند الله أتقاهم له وكان أصل التقوى الإيمان ذكر ما كانت تقوله العرب من دعوى الإيمان ليثبت لهم الشرف والفضل فقال :
{ قالت الأعراب آمنا } وهم بنو أسد ، قاله مجاهد ، وقيل هم جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار ، والأول أولى ، وهم الذين أظهروا الإسلام في سنة مجدبة يريدون الصدقة ، فأمر الله سبحانه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم فقال : { قل لم تؤمنوا } أي لم تصدقوا تصديقا صحيحا عن اعتقاد قلب ، وخلوص نية ، وطمأنينة { ولكن قولوا أسلمنا } أي استسلمنا خوف القتل والسبي ، أو للطمع في الصدقة ، وهذه صفة المنافقين لأنهم أسلموا في ظاهر الأمر ، ولم تؤمن قلوبهم ، ولهذا قال سبحانه :
{ ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } أي لم يكن ما أظهرتموه بألسنتكم عن مواطأة قلوبكم ، بل مجرد قول باللسان من دون اعتقاد صحيح ، ولا نية خالصة ، وفي لما معنى التوقع ، وهذا تكرار ، لكنه مستقل بفائدة زائدة ، لأنه علم من الأول نفي الإيمان عنهم ، ومن الثاني نفيه مع توقع حصوله ، قال الزجاج : الإسلام إظهار الخضوع وقبول ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، وبذلك يحقن الدم ، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن ، وقد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله : ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ، أي : لم تصدقوا ، وإنما أسلمتم تعوذا من القتل ، وهذه الآية تنقض على الكرامية مذهبهم أن الإيمان لا يكون بالقلب ولكن باللسان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.