فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

{ قالت الأعراب آمنا } وهم بنو أسد ، قاله مجاهد ، وقيل هم جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار ، والأول أولى ، وهم الذين أظهروا الإسلام في سنة مجدبة يريدون الصدقة ، فأمر الله سبحانه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم فقال : { قل لم تؤمنوا } أي لم تصدقوا تصديقا صحيحا عن اعتقاد قلب ، وخلوص نية ، وطمأنينة { ولكن قولوا أسلمنا } أي استسلمنا خوف القتل والسبي ، أو للطمع في الصدقة ، وهذه صفة المنافقين لأنهم أسلموا في ظاهر الأمر ، ولم تؤمن قلوبهم ، ولهذا قال سبحانه :

{ ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } أي لم يكن ما أظهرتموه بألسنتكم عن مواطأة قلوبكم ، بل مجرد قول باللسان من دون اعتقاد صحيح ، ولا نية خالصة ، وفي لما معنى التوقع ، وهذا تكرار ، لكنه مستقل بفائدة زائدة ، لأنه علم من الأول نفي الإيمان عنهم ، ومن الثاني نفيه مع توقع حصوله ، قال الزجاج : الإسلام إظهار الخضوع وقبول ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، وبذلك يحقن الدم ، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن ، وقد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله : ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ، أي : لم تصدقوا ، وإنما أسلمتم تعوذا من القتل ، وهذه الآية تنقض على الكرامية مذهبهم أن الإيمان لا يكون بالقلب ولكن باللسان .

{ وإن تطيعوا الله ورسوله } طاعة صحيحة ، صادرة عن نيات خالصة وقلوب مصدقة غير منافقة { لا يلتكم } أي لا ينقصكم { من أعمالكم شيئا } يقال : لات يليت إذا نقص ، ولأنه يليته ويلوته إذا نقصه ، قرأ الجمهور يلتكم من لاته يليته كباعه يبيعه ، وقرئ لا يألتكم بالهمز من ألته يألته بالفتح في الماضي والكسر في المضارع ، واختار الثانية أبو حاتم لقوله { وما ألتناهم من عملهم من شيء } وهما لغتان فصيحتان { إن الله غفور } أي بليغ المغفرة لمن فرط منه ذنب { رحيم } بليغ الرحمة لهم .