فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

{ ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ( 14 ) }

{ ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم } أي في التوحيد والإيمان والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، قال الكوفيون : الضمير في ميثاقهم راجع إلى بني إسرائيل أي أخذنا من النصارى مثل ميثاق المذكورين قبلهم من بني إسرائيل ، وقال : { من الذين قالوا إنا نصارى } ولم يقل من النصارى للإيذان بأنهم كاذبون في دعوى النصرانية وأنهم أنصار الله ، ولأنهم الذين ابتدعوا هذا الاسم وسموا به أنفسهم لا أن الله سماهم به .

{ فنسوا } من الميثاق المأخوذ عليهم { حظا } أي نصيبا وافرا أخذه عليهم { مما ذكروا به } من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم { فأغرينا } أي ألصقنا ذلك بهم ، مأخوذ من الغري وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه ، يقال غرى بالشيء يغري غريا وغراء أي أولع به حتى كأنه صار ملتصقا به ومثل الإغراء التحريش ، وأغريت الكلب أي أولعته بالصيد .

والمراد بقوله : { بينهم } اليهود والنصارى لتقدم ذكرهم جميعا ، وقيل بين النصارى خاصة لأنهم أقرب مذكور ، وذلك لأنهم افترقوا إلى اليعقوبية والنسطورية والملكانية ، وكقول بعضهم بعضا ، وتظاهروا بالعداوة في ذات بينهم قال النخعي : أغرى بعضهم بعض الخصومات والجدال في الدين .

فقال النحاس : ومن أحسن ما قيل في معنى أغرينا بينهم { العداوة والبغضاء } : أن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم ، فكل فرقة مأمورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها { إلى يوم القيامة } بالأهواء المختلفة { وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون } أي سيلقون جزاء نقض الميثاق . وفيه تهديد لهم ووعيد .