الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمۡ لَيَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشُونَ فِي ٱلۡأَسۡوَاقِۗ وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرٗا} (20)

أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } يقول : إن الرسل قبل محمد كانوا بهذه المنزلة { يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } قال : بلاء .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن الحسن { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } قال : يقول الفقير : لو شاء الله لجعلني غنياً مثل فلان . ويقول السقيم : لو شاء الله لجعلني صحيحاً مثل فلان . ويقول الأعمى : لو شاء الله لجعلني بصيراً مثل فلان .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } قال : هو التفاضل في الدنيا ، والقدرة ، والقهر .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } قال : يمسك على هذا ويوسع على هذا فيقول : لم يعطني ربي ما أعطى فلاناً . ويبتلى بالوجع فيقول : لم يجعلني ربي صحيحاً مثل فلان . في أشباه ذلك من البلاء ليعلم من يصبر ممن يجزع { وكان ربك بصيراً } بمن يصبر ومن يجزع .

وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لو شاء الله لجعلكم أغنياء كلكم لا فقير فيكم . ولو شاء الله لجعلكم فقراء كلكم لا غني فيكم . ولكن ابتلى بعضكم ببعض » .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن رفاعة بن رافع الزرقي قال : قال رجل : يا رسول الله كيف ترى في رقيقنا . أقوام مسلمين يصلون صلاتنا ، ويصومون صومنا ، نضربهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « توزن ذنوبهم وعقوبتكم إياهم فإن كانت عقوبتكم أكثر من ذنوبهم أخذوا منكم قال : أفرأيت سبنا إياهم ؟ قال : يوزن ذنبهم وأذاكم إياهم فإن كان أذاكم أكثر أعطوا منكم قال الرجل : ما أسمع عدوّاً أقرب إلي منهم ! فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً } فقال الرجل : أرأيت يا رسول الله ولدي أضر بهم ؟ قال : إنك لا تتهم في ولدك ، فلا تطيب نفساً تشبع ويجوع ، ولا تكتسي ويعروا » .