الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ} (156)

وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس في قوله { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة } قال : فلم يعطها موسى { قال عذابي أصيب به من أشاء } إلى قوله { المفلحون } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة } قال : فكتب الرحمة يومئذ لهذه الأمة .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن جرير { واكتب لها في هذه الدنيا حسنه } قال : مغفرة .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عن ابن عباس في قوله { إنا هدنا إليك } قال : تبنا إليك .

وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير في قوله { إنا هدنا إليك } قال : تبنا .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وجزة السعدي وكان من أعلم الناس بالعربية قال : لا والله لا أعلمها في كلام أحد من العرب { هدنا } قيل : فكيف قال : هدنا بكسر الهاء ؟ يقول : ملنا .

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله { ورحمتي وسعت كل شيء } قالا : وسعت في الدنيا البر والفاجر ، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة .

وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في قوله { ورحمتي وسعت كل شيء } قال : رحمته في الدنيا على خلقه كلهم يتقلبون فيها .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سماك بن الفضل . أنه ذكر عنده أي شيء أعظم ، فذكروا السماوات والأرض وهو ساكت فقالوا : ما تقول يا أبا الفضل ؟ فقال : ما من شيء أعظم من رحمته ، قال الله تعالى { ورحمتي وسعت كل شيء } .

وأخرج أحمد وأبو داود عن جندب بن عبد الله البجلي قال : جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها ، ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نادى : اللهمَّ ارحمني ومحمداً ولا تشرك في رحمتنا أحداً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لقد حظرت رحمة واسعة ، أن الله خلق مائة رحمة ، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنّها وإنسها وبهائمها ، وعنده تسعة وتسعون » .

وأخرج أحمد ومسلم عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن لله مائة رحمة ، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق ، وبها تعطف الوحوش على أولادها ، وأخر تسع وتسعون إلى يوم القيامة » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان موقوفاً وابن مردويه عن سلمان قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « إن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السماوات والأرض ، كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض ، فأهبط منها رحمة إلى الأرض ، فيها تراحم الخلائق ، وبها تعطف الوالدة على ولدها ، وبها يشرب الطير والوحوش من الماء ، وبها تعيش الخلائق ، فإذا كان يوم القيامة انتزعها من خلقه ثم أفاضها على المتقين ، وزاد تسعاً وتسعين رحمة ، ثم قرأ { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون } » .

وأخرج الطبراني عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه ، الأحمق في معيشته ، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه ، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه » .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « افتخرت الجنة والنار ، فقالت النار : يا رب ، يدخلني الجبابرة والملوك والأشراف . وقالت الجنة : يا رب ، يدخلني الفقراء والضعفاء والمساكين . فقال الله للنار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء ، وقال للجنة : أنت رحمتي وسعت كل شيء ، ولكل واحدة منكما ملؤها » .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بكر الهذلي قال : لما نزلت { ورحمتي وسعت كل شيء } قال إبليس : يا رب ، وأنا من الشيء . فنزلت { فسأكتبها للذين يتقون . . . } الآية . فنزعها الله من إبليس .

وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال : لما نزلت { ورحمتي وسعت كل شيء } قال : إبليس : وأنا من الشيء . فنسخها الله ، فأنزل { فسأكتبها للذين يتقون } إلى آخر الآية .

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال : لما نزلت { ورحمتي وسعت كل شيء } قال : إبليس : أنا من كل شيء . قال الله { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة } قالت يهود : فنحن نتقي ونؤتي الزكاة . قال الله { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي } فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود ، وجعلها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم .

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة نحوه .

وأخرج البيهقي في الشعب عن سفيان بن عيينة قال : لما نزلت هذه الآية { ورحمتي وسعت كل شيء } مد إبليس عنقه فقال : أنا من الشيء . فنزلت { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } فمدت اليهود والنصارى أعناقها فقالوا : نحن نؤمن بالتوراة والإِنجيل ، ونؤدي الزكاة . فاختلسها الله من إبليس واليهود والنصارى ، فجعلها لهذه الأمة خاصة فقال { الذين يتبعون . . . } الآية .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبزار في مسنده وابن مردويه عن ابن عباس قال : سأل موسى ربه مسألة فأعطاها محمداً صلى الله عليه وسلم . قوله { واختار موسى قومه } إلى قوله { فسأكتبها للذين يتقون } فأعطى محمداً صلى الله عليه وسلم كل شيء . سأل موسى ربه في هذه الآية .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فسأكتبها للذين يتقون } قال : كتبها الله لهذه الأمة .

وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : دعا موسى فبعث الله سبعين ، فجعل دعاءه حين دعاه آمن بمحمد ، واتبعه قوله { فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين ، . . . فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين يتبعون محمداً } .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فسأكتبها للذين يتقون } قال يتقون الشرك .

وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير { فسأكتبها للذين يتقون } قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال موسى : يا ليتني أخرت في أمة محمد . فقالت اليهود لموسى : أيخلق ربك خلقاً ثم يعذبهم ؟ فأوحى الله إليه : يا موسى ازرع . قال : قد زرعت . قال : أحصد . قال : قد حصدت . قال : دس . قال : قد دست . قال : ذر . قال : قد ذريت . قال : فما بقي ؟ قال : ما بقي شيء فيه خير . قال : كذلك لا أعذب من خلقي إلا من لا خير فيه .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . أنه سئل عن أبي بكر وعمر فقال : إنهما من السبعين الذين سألهم موسى بن عمران فاخراً حتى أعطيهما محمداً صلى الله عليه وسلم . قال : وتلا هذه الآية { واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا . . . } الآية .

وأخرج ابن مردويه عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا كان يوم الجمعة نزل جبريل عليه السلام إلى المسجد الحرام ، فركز لواءه بالمسجد الحرام وغدا بسائر الملائكة إلى المساجد التي يجمع فيها يوم الجمعة ، فركزوا ألويتهم وراياتهم بأبواب المساجد ، ثم نشروا قراطيس من فضة وأقلاماً من ذهب ، ثم كتبوا الأول فالأول من بكَّر إلى الجمعة ، فإذا بلغ من في المسجد سبعين رجلاً قد بكروا طووا القراطيس ، فكان أولئك السبعون كالذين اختارهم موسى من قومه ، والذين اختارهم موسى من قومه كانوا أنبياء » .

وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا راح منا إلى الجمعة سبعون رجلاً كانوا كسبعين موسى الذين وفدوا إلى ربهم أو أفضل » .