الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَسۡـَٔلۡهُمۡ عَنِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلَّتِي كَانَتۡ حَاضِرَةَ ٱلۡبَحۡرِ إِذۡ يَعۡدُونَ فِي ٱلسَّبۡتِ إِذۡ تَأۡتِيهِمۡ حِيتَانُهُمۡ يَوۡمَ سَبۡتِهِمۡ شُرَّعٗا وَيَوۡمَ لَا يَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِيهِمۡۚ كَذَٰلِكَ نَبۡلُوهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (163)

أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : دخلت على ابن عباس وهو يقرأ هذه الآية { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } قال : يا عكرمة ، هل تدري أي قرية هذه ؟ قلت : لا . قال : هي أيلة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب { واسألهم عن القرية } قال : هي طبرية .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد واسألهم عن القرية قال : هي قرية يقال لها مقنا بين مدين وعينونا .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { واسألهم عن القرية } قال : هي مدين .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { إذ يعدون في السبت } قال : يظلمون .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { شرعاً } يقول : من كل مكان .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { شرعاً } قال : ظاهرة على الماء .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { شرعاً } قال : واردة .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } قال : هي قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة ، فحرَّم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم ، فكانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر ، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها ، فمكثوا كذلك ما شاء الله ، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم ، فنهتهم طائفة فلم يزدادوا إلا غيّاً . فقالت طائفة من النهاة : تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب { لم تعظون قوماً الله مهلكهم } وكانوا أشد غضبا من الطائفة الأخرى ، وكل قد كانوا ينهون ، فما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالتا : لم تعظون ؟ والذين { قالوا : معذرة إلى ربكم } وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { واسألهم عن القرية . . . } الآية . قال : إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم يوم الجمعة ، فخالفوا إلى السبت فعظَّموه وتركوا ما أمروا به ، فلما ابتدعوا السبت ابتلوا فيه ، فحرمت عليهم الحيتان ، وهي قرية يقال لها مدين بين أيلة والطور ، فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر ، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى مثله من السبت المقبل ، فإذا جاء السبت عادت شرعاً ، ثم إن رجلاً منهم أخذ حوتاً فحزمه بخيط ثم ضرب له وتداً في الساحل وربطه وتركه في الماء ، فلما كان الغد جاء فأخذه فأكله سراً ، ففعلوا ذلك وهم ينظرون لا يتناهون إلا بقية منهم ، فنهوهم حتى إذا ظهر ذلك في الأسواق علانية قالت طائفة للذين ينهونهم { لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً } قالوا { معذرة إلى ربكم } في سخطنا أعمالهم { ولعلهم يتقون } فكانوا أثلاثاً . ثلثاً نهى ، وثلثاً قالوا { لم تعظون } وثلثاً أصحاب الخطيئة ، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم ، فأصبح الذين نهوا ذات غداة في مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم ، وقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عليهم دورهم ، فجعلوا يقولون : إن للناس شأناً فانظروا ما شأنهم ، فاطلعوا في دورهم فإذا القوم قد مسخوا يعرفون الرجل بعينه وأنه لقرد ، والمرأة بعينها وإنها لقردة .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عكرمة قال : جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي ، وإذا المصحف في حجره فقلت : ما يبكيك يا ابن عباس ؟ فقال : هؤلاء الورقات . وإذا في سورة الأعراف قال : تعرف أيلة ؟ قلت : نعم . قال : فإنه كان بها حي من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ، ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا عليها بعد كد ومؤنة شديدة ، وكانت تأتيهم يوم السبت شرعاً بيضاً سمانا كأنها الماخض ، فكانوا كذلك برهة من الدهر ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال : إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام . فقالت : ذلك طائفة منهم ، وقالت طائفة : بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السبت ، فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها ، واعتزلت طائفة ذات اليمين ، وتنحَّت واعتزلت طائفة ذات اليسار ، وسكتت وقال الأيمنون : ويلكم . . . ؟ لا تتعرضوا لعقوبة الله ، وقال الأيسرون { لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً } قال الأيمنون : { معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } إن ينتهوا فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا ، وأن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم . فمضوا على الخطيئة وقال الأيمنون : قد فعلتم يا أعداء الله ، والله لنبايننَّكم الليلة في مدينتكم . والله ما أراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب ، فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجابوا ، فوضعوا سلما وعلوا سور المدينة رجلاً ، فالتفت إليهم فقال : أي عباد الله قردة والله تعاوى لها أذناب . . . ! ففتحوا فدخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابها من الإنس ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة ، فجعلت القرود تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي ، فيقول ألم ننهكم فتقول برأسها : أي نعم . ثم قرأ ابن عباس { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس } قال : أليم وجيع . قال : فأرى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا ، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها . قلت : أي جعلني الله فداك ، ألا ترى أنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم ، وقالوا { لم تعظون قوماً الله مهلكهم } قال : فأمر بي فكسيت ثوبين غليظين .