فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ كَأَن لَّمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيۡنَهُمۡۚ قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (45)

قوله : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } الظرف منصوب بمضمر : أي واذكر يوم نحشرهم { كَأَن لَمْ يَلْبَثُواْ } أي : كأنهم لم يلبثوا ، والجملة في محلّ نصب على الحال : أي مشبهين من لم يلبث { إِلاَّ سَاعَةً منَ النهار } أي : شيئاً قليلاً منه ، والمراد باللبث : هو اللبث في الدنيا ، وقيل : في القبور ، واستقلوا المدّة الطويلة إما لأنهم ضيعوا أعمارهم في الدنيا ، فجعلوا وجودها كالعدم ، أو استقصروها للدهش والحيرة ، أو لطول وقوفهم في المحشر ، أو لشدّة ما هم فيه من العذاب ، نسوا لذات الدنيا وكأنها لم تكن ، ومثل هذا قولهم : { لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } وجملة : { يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة . والمعنى : يعرف بعضهم بعضاً كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلاً ، وذلك عند خروجهم من القبور ، ثم تنقطع التعاريف بينهم لما بين أيديهم من الأمور المدهشة للعقول ، المذهلة للأفهام . وقيل : إن هذا التعارف ، هو : تعارف التوبيخ والتقريع ، يقول بعضهم لبعض : أنت أضللتني وأغويتني ، لا تعارف شفقة ورأفة ، كما قال تعالى : { وَلاَ يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيماً } وقوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ } فيجمع بأن المراد بالتعارف ؛ هو : تعارف التوبيخ ، وعليه يحمل قوله : { وَلَوْ ترى إِذ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول } ، وقد جمع بين الآيات المختلفة في مثل هذا وغيره بأن المواقف يوم القيامة مختلفة ، فقد يكون في بعض المواقف ما لا يكون في الآخر { قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } هذا تسجيل من الله سبحانه عليهم بالخسران ، والجملة في محل النصب على الحال ، والمراد بلقاء الله : يوم القيامة عند الحساب والجزاء ، ونفى عنهم أن يكونوا من جنس المهتدين لجهلهم ، وعدم طلبهم لما ينجيهم وينفعهم .

/خ49