فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

{ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ } يقال : ثني صدره عن الشيء : إذا ازورّ عنه وانحرف منه ، فيكون في الكلام كناية عن الإعراض ؛ لأن من أعرض عن الشيء ثنى عنه صدره ، وطوى عنه كشحه . وقيل معناه : يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق ، فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكفر ، كما كان دأب المنافقين .

والوجه الثاني أولى ، ويؤيده قوله : { لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } أي : ليستخفوا من الله ، فلا يطلع عليه رسوله والمؤمنين ، أو ليستخفوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم كرّر كلمة التنبيه مبيناً للوقت الذي يثنون فيه صدورهم ، فقال : { أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } أي : يستخفون في وقت استغشاء الثياب ، وهو التغطي بها ، وقد كانوا يقولون : إذا أغلقنا أبوابنا ، واستغشينا ثيابنا ، وثنينا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا ؟ وقيل : معنى حين يستغشون : حين يأوون إلى فراشهم ، ويتدثرون بثيابهم . وقيل : إنه حقيقة : وذلك أن بعض الكفار كان إذا مرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثنى صدره ، وولى ظهره ، واستغشى ثيابه ، لئلا يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجملة : { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء ؛ لأن الله سبحانه يعلم ما يسرّونه في أنفسهم ، أو في ذات بينهم وما يظهرونه ؛ فالظاهر والباطن عنده سواء ، والسرّ والجهر سيان ، وجملة : { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } تعليل لما قبلها وتقرير له ، وذات الصدور هي : الضمائر التي تشتمل عليها الصدور . وقيل : هي القلوب ، والمعنى : إنه عليم بجميع الضمائر ، أو عليم بالقلوب وأحوالها في الإسرار والإظهار ، فلا يخفى عليه شيء من ذلك .

/خ8