فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (67)

{ وَمِن ثمرات النخيل والأعناب } قال ابن جرير : التقدير : ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون ، فحذف «ما » ودلّ على حذفه قوله : { منه } . وقيل : هو معطوف على الأنعام ، والتقدير : وإن لكم من ثمرات النخيل والأعناب لعبرة . ويجوز أن يكون معطوفاً على { مما في بطونه } أي : نسقيكم مما في بطونه ومن ثمرات النخيل . ويجوز أن يتعلق بمحذوف دولّ عليه ما قبله ، تقديره : ونسقيكم من ثمرات النخيل ، ويكون على هذا { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } بياناً للإسقاء وكشفاً عن حقيقته ، ويجوز أن يتعلق ب{ تتخذون } ، تقديره : ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكراً ، ويكون تكرير الظرف ، وهو قوله منه للتأكيد كقولك زيد في الدار فيها ، وإنما ذكر الضمير في { منه } لأنه يعود إلى المذكور ، أو إلى المضاف المحذوف ، وهو العصير ، كأنه قيل : ومن عصير ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه ، والسكر : ما يسكر من الخمر ، والرزق الحسن : جميع ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالثمر والدبس والزبيب والخل . وكان نزول هذه الآية قبل تحريم الخمر . وقيل : إن السكر الخلّ بلغة الحبشة ، والرزق الحسن الطعام من الشجرتين . وقيل : السكر : العصير الحلو الحلال ، وسمي سكراً ؛ لأنه قد يصير مسكراً إذا بقي ، فإذا بلغ الإسكار حرم . والقول الأوّل أولى وعليه الجمهور ، وقد صرّح أهل اللغة بأن السكر اسم للخمر ، ولم يخالف في ذلك إلاّ أبو عبيدة ، فإنه قال : السكر : الطعم ، ومما يدل على ما قاله جمهور أهل اللغة قول الشاعر :

بئس الصحاب وبئس الشرب شربهم *** إذا جرى فيهم الهذي والسكر

ومما يدل على ما قاله أبو عبيدة ما أنشده :

جعلت عيب الأكرمين سكرا *** . . .

أي : جعلت ذمهم طعماً ، ورجح هذا ابن جرير فقال : إن السكر ما يطعم من الطعام ويحل شربه من ثمار النخيل والأعناب ، وهو الرزق الحسن ، فاللفظ مختلف . والمعنى واحد ، مثل { إِنَّمَا أَشْكُو بَثّي وَحُزْنِي إِلَى الله } [ يوسف : 86 ] . قال الزجاج : قول أبي عبيدة هذا لا يعرف ، وأهل التفسير على خلافه . ولا حجة في البيت الذي أنشده لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتحمر بعيوب الناس ، وقد حمل السكر جماعة من الحنفية على ما لا يسكر من الأنبذة وعلى ما ذهب ثلثاه بالطبخ . قالوا : وإنما يمتنّ الله على عباده بما أحله لهم ، لا بما حرّمه عليهم ، وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة المتواترة على فرض تأخره عن آية تحريم الخمر ا ه . { إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي لدلالة لمن يستعمل العقل ، ويعمل بما يقتضيه عند النظر في الآيات التكوينية .

/خ69