ثم ذكر سبحانه الحالة الأخرى من أحوال الإنسان فقال : { والله جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } قال المفسرون : يعني النساء فإنه خلق حوّاء من ضلع آدم . أو المعنى : خلق لكم من جنسكم أزواجاً لتستأنسوا بها ، لأن الجنس يأنس إلى جنسه ، ويستوحش من غير جنسه ، وبسبب هذه الأنسة يقع بين الرجال والنساء ما هو سبب للنسل الذي هو المقصود بالزواج ، ولهذا قال : { وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أزواجكم بَنِينَ وَحَفَدَةً } الحفدة : جمع حافد ، يقال : حفد يحفد حفداً وحفوداً : إذا أسرع ، فكل من أسرع في الخدمة ، فهو حافد ، قال أبو عبيد : الحفد : العمل والخدمة . قال الخليل بن أحمد :
الحفدة عند العرب : الخدم ، ومن ذلك قول الشاعر ، وهو الأعشى :
كلفت مجهولنا نوقا يمانية *** إذ الحداة على أكتافها حفدوا
أي : الخدم والأعوان . وقال الأزهري : قيل : الحفدة أولاد الأولاد . وروي عن ابن عباس ؛ وقيل : الأختان . قاله ابن مسعود ، وعلقمة ، وأبو الضحى ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، ومنه قول الشاعر :
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت *** لها حفد مما تعدّ كثير
ولكنها نفس عليّ أبية . . . عيوف لأصهار اللئام قذور
وقيل : الحفدة الأصهار . قال الأصمعي : الختن : من كان من قبل المرأة ، كابنها ، وأخيها وما أشبههما . والأصهار منهما جميعاً . يقال : أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر . وقيل : هم أولاد امرأة الرجل من غيره ؛ وقيل : الأولاد الذين يخدمونه . وقيل : البنات الخادمات لأبيهنّ . ورجح كثير من العلماء أنهم أولاد الأولاد ، لأنه سبحانه امتنّ على عباده بأن جعل لهم من الأزواج بنين وحفدة ، فالحفدة في الظاهر معطوفون على البنين ، وإن كان يجوز أن يكون المعنى : جعل لكم من أزواجكم بنين ، وجعل لكم حفدة . ولكن لا يمتنع على هذا المعنى الظاهر أن يراد بالبنين من لا يخدم ، وبالحفدة من يخدم الأب منهم ، أو يراد بالحفدة البنات فقط . ولا يفيد أنهم أولاد الأولاد إلاّ إذا كان تقدير الآية : وجعل لكم من أزواجكم بنين ، ومن البنين حفدة ، { وَرَزَقَكُم منَ الطيبات } التي تستطيبونها وتستلذونها ، و«من » للتبعيض ؛ لأن الطيبات لا تكون مجتمعة إلاّ في الجنة ، ثم ختم سبحانه الآية بقوله : { أفبالباطل يُؤْمِنُونَ } والاستفهام للإنكار التوبيخي ، والفاء للعطف على مقدّر ، أي : يكفرون بالله ، فيؤمنون بالباطل ، وفي تقدّم { بالباطل } على الفعل دلالة على أنه ليس لهم إيمان إلا به . والباطل : هو اعتقادهم في أصنامهم أنها تضر وتنفع . وقيل : الباطل ما زيّن لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة ونحوهما . قرأ الجمهور { يؤمنون } بالتحتية ، وقرأ أبو بكر بالفوقية على الخطاب { وبنعمة الله هم يكفرون } أي : ما أنعم به عليهم مما لا يحيط به حصر . وفي تقديم النعمة ، وتوسيط ضمير الفصل دليل على أن كفرهم مختص بذلك ، لا يتجاوزه لقصد المبالغة والتأكيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.