{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً } الأنعام هي : الإبل والبقر والغنم ويدخل في الغنم المعز . والعبرة أصلها : تمثيل الشيء بالشيء ليعرف حقيقته بطريق المشاكلة . ومنه { فاعتبروا يا أولي الأبصار } [ الحشر : 2 ] . وقال أبو بكر الوراق : العبرة في الأنعام : تسخيرها لأربابها وطاعتها لهم ، والظاهر أن العبرة هي قوله : { نُّسْقِيكُمْ مّمَّا فِي بُطُونِهِ } فتكون الجملة مستأنفة لبيان العبرة . قرأ أهل المدينة ، وابن عامر ، وعاصم في رواية أبي بكر «نسقيكم » بفتح النون ، من سقى يسقي . وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بضم النون من أسقى يسقي ، قيل : هما لغتان . قال لبيد :
سقى قومي بني مجد وأسقى *** نميراً والقبائل من هلال
وقرئ بالتاء الفوقية ، على أن الضمير راجع إلى الأنعام . وقرئ بالتحتية على إرجاع الضمير إلى الله سبحانه ، وهما ضعيفتان . وجميع القراء على القراءتين الأوليين ، والفتح لغة قريش ، والضم لغة حمير ؛ وقيل : إن بين سقى وأسقى فرقاً ، فإذا كان الشراب من يد الساقي إلى فم المسقي فيقال : سقيته ، وإن كان بمجرّد عرضه عليه وتهيئته له ، قيل : أسقاه . والضمير في قوله : { مّمَّا فِي بُطُونِهِ } راجع إلى الأنعام . قال سيبويه : العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد . وقال الزجاج : لما كان لفظ الجمع يذكر ويؤنث ، فيقال : هو الأنعام ، وهي الأنعام جاز عود الضمير بالتذكير . وقال الكسائي : معناه : مما في بطون ما ذكرنا ، فهو على هذا عائد إلى المذكور . قال الفراء : وهو صواب . وقال المبرد : هذا فاش في القرآن كثير ، مثل قوله للشمس { هذا رَبّى } [ الأنعام : 78 ] يعني : هذا الشيء الطالع . وكذلك : { وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } [ النمل : 35 ] ، ثم قال : { فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ } [ النمل : 36 ] ، ولم يقل : جاءت ؛ لأن المعنى جاء الشيء الذي ذكرنا . انتهى ، ومن ذلك قوله : [ إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } ] ومثله قول الشاعر :
مثل الفراخ نيفت حواصله *** ولم يقل : حواصلها ، وقول الآخر :
وطاب إلقاح اللبان وبرد *** . . .
ولم يقل : وبردت . وحكي عن الكسائي أن المعنى مما في بطون بعضه وهي الإناث ؛ لأن الذكور لا ألبان لها ، وبه قال أبو عبيدة : وحكي عن الفراء أنه قال : النعم والأنعام واحد ، يذكر ويؤنث ، ولهذا تقول العرب : هذه نعم وارد ، فرجع الضمير إلى لفظ النعم الذي هو بمعنى الأنعام . وهو كقول الزجاج . ورجحه ابن العربي فقال : إنما يرجع التذكير إلى معنى الجمع ، والتأنيث إلى معنى الجماعة . فذكره هنا باعتبار لفظ الجمع ، وأنثه في سورة المؤمنين باعتبار لفظ الجماعة { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ } الفرث : الزبل الذي ينزل إلى الكرش ، فإذا خرج منه لم يسم فرثاً . يقال : أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها . والمعنى : أن الشيء الذي تأكله يكون منه ما في الكرش ، وهو الفرث ، ويكون منه الدم ، فيكون أسفله فرثاً ، وأعلاه دماً وأوسطه لبنا فيجري الدم في العروق ، واللبن في الضروع ، ويبقى الفرث كما هو { خَالِصًا } يعني : من حمرة الدم ، وقذارة الفرث بعد أن جمعهما وعاء واحد { سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ } أي : لذيذاً هنيئاً ، لا يغصّ به من شربه : يقال : ساغ الشراب ، يسوغ سوغاً ، أي : سهل مدخله في الحلق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.