فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا} (52)

ثم عاد سبحانه إلى ترهيبهم بأحوال القيامة فقال : { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِي الذين زَعَمْتُمْ } قرأ حمزة ويحيى بن وثاب وعيسى بن عمر " نقول " بالنون ، وقرأ الباقون بالياء التحتية أي : اذكر يوم يقول الله عزّ وجلّ للكفار توبيخاً لهم وتقريعاً : نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم ينفعونكم ويشفعون لكم ، وأضافهم سبحانه إلى نفسه جرياً على ما يعتقده المشركون ، تعالى الله عن ذلك { فَدَعَوْهُمْ } أي : فعلوا ما أمرهم الله به من دعاء الشركاء { فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ } إذ ذاك ، أي : لم يقع منهم مجرد الاستجابة لهم ، فضلاً عن أن ينفعوهم أو يدفعوا عنهم { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم موبِقاً } أي : جعلنا بين هؤلاء المشركين وبين من جعلوهم شركاء لله موبقاً ، ذكر جماعة من المفسرين أنه اسم وادٍ عميق فرق الله به تعالى بينهم ، وعلى هذا فهو اسم مكان . قال ابن الأعرابي : كل حاجز بين شيئين فهو موبق . وقال الفراء : الموبق : المهلك . والمعنى : جعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكاً لهم في الآخرة ، يقال : وبق يوبق فهو وبق . هكذا ذكره الفراء في المصادر . وحكى الكسائي : وبق يبق وبوقاً فهو وابق ، والمراد بالمهلك على هذا : هو عذاب النار يشتركون فيه . والأوّل أولى ، لأن من جملة من زعموا أنهم شركاء لله الملائكة وعزير والمسيح ، فالموبق : هو المكان الحائل بينهم . وقال أبو عبيدة : الموبق هنا : الموعد للهلاك ، وقد ثبت في اللغة أوبقه بمعنى : أهلكه ، ومنه قول زهير :

ومن يشتري حسن الثناء بماله *** يصن عرضه عن كل شنعاء موبق

ولكن المناسب لمعنى الآية : هو المعنى الأوّل .

/خ53