فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞مَّآ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّينَ عَضُدٗا} (51)

{ مَّا أَشْهَدُتهُمْ خَلْقَ السماوات والأرض } قال أكثر المفسرون : إن الضمير للشركاء ، والمعنى : أنهم لو كانوا شركاء لي في خلق السماوات والأرض وفي خلق أنفسهم لكانوا مشاهدين خلق ذلك مشاركين لي فيه ، ولم يشاهدوا ذلك ولا أشهدتهم إياه أنا فليسوا لي بشركاء . وهذا استدلال بانتفاء الملزوم المساوي على انتفاء اللازم ، وقيل : الضمير للمشركين الذين التمسوا طرد فقراء المؤمنين ، والمراد : أنهم ما كانوا شركاء لي في تدبير العالم بدليل أني ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ : ما اعتضدت بهم بل هم كسائر الخلق ، وقيل : المعنى أن هؤلاء الظالمين جاهلون بما جرى به القلم في الأزل ، لأنهم لم يكونوا مشاهدين خلق العالم ، فكيف يمكنهم أن يحكموا بحسن حالهم عند الله ، والأوّل من هذه الوجوه أولى لما يلزم في الوجهين الآخرين من تفكيك الضميرين ، وهذه الجملة مستأنفة لبيان عدم استحقاقهم للاتخاذ المذكور ، وقرأ أبو جعفر ( ما أشهدناهم ) وقرأ الباقون ( ما أشهدتهم ) ويؤيده { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُداً } والعضد يستعمل كثيراً في معنى العون ، وذلك أن العضد قوام اليد ، ومنه قوله : { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } [ القصص : 35 ] أي : سنعينك ونقوّيك به ، ويقال : أعضدت بفلان : إذا استعنت به ، وذكر العضد على جهة المثل ، وخصّ المضلين بالذكر لزيادة الذمّ والتوبيخ . والمعنى : ما استعنت على خلق السماوات والأرض بهم ولا شاورتهم وما كنت متخذ الشياطين أو الكافرين أعواناً ، ووحد العضد لموافقة الفواصل ، وقرأ أبو جعفر الجحدري ( وما كنت ) بفتح التاء على أن الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم أي : وما كنت يا محمد متخذاً لهم عضداً ولا صح لك ذلك ، وقرأ الباقون بضم التاء . وفي عضد لغات ثمانِ أفصحها فتح العين وضمّ الضاد ، وبها قرأ الجمهور . وقرأ الحسن : «عضدا » بضم العين والضاد . وقرأ عكرمة بضم العين وإسكان الضاد ، وقرأ الضحاك بكسر العين وفتح الضاد ، وقرأ عيسى بن عمر بفتحهما ، ولغة تميم فتح العين وسكون الضاد .

/خ53