فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

وجملة : { إِن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ السماء ءايَةً } مستأنفة مسوقة لتعليل ما سبق من التسلية ، والمعنى : إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية تلجئهم إلى الإيمان ، ولكن قد سبق القضاء بأنا لا ننزل ذلك ، ومعنى { فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين } أنهم صاروا منقادين لها : أي فتظلّ أعناقهم إلخ ، قيل وأصله ، فظلوا لها خاضعين ، فأقحمت الأعناق لزيادة التقرير والتصوير ، لأن الأعناق موضع الخضوع .

وقيل : إنها لما وضعت الأعناق بصفات العقلاء أجريت مجراهم ، ووصفت بما يوصفون به . قال عيسى بن عمر : خاضعين ، وخاضعة هنا سواء ، واختاره المبرد ، والمعنى : أنها إذا ذلت رقابهم ذلوا ، فالإخبار عن الرقاب إخبار عن أصحابها ، ويسوغ في كلام العرب أن يترك الخبر عن الأوّل ، ويخبر عن الثاني ، ومنه قول الراجز :

طول الليالي أسرعت في نقضي***طوين طولي وطوين عرضي

فأخبر عن الليالي ، وترك الطول ، ومنه قول جرير :

أرى مرّ السنين أخذن مني *** كما أخذ السرار من الهلال

وقال أبو عبيد والكسائي : إن المعنى خاضعيها هم ، وضعفه النحاس ، وقال مجاهد : أعناقهم كبراؤهم ، قال النحاس : وهذا معروف في اللغة ، يقال : جاءني عنق من الناس : أي رؤساء منهم . وقال أبو زيد والأخفش : أعناقهم جماعاتهم ، يقال : جاءني عنق من الناس : أي جماعة .

/خ22