قوله : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَم أمثالكم } الدابة من دبّ يدبّ فهو داب : إذا مشى مشياً فيه تقارب خطو . وقد تقدّم بيان ذلك في البقرة { وَلاَ طَائِرٍ } معطوف على { دَابَّةٍ } مجرور في قراءة الجمهور . وقرأ الحسن وعبد الله بن أبي إسحاق { وَلاَ طَائِرٍ } بالرفع عطفاً على موضع من دابة على تقدير زيادة من ، و { بِجَنَاحَيْهِ } لدفع الإبهام ؛ لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير ، كقولهم : طر في حاجتي : أي أسرع . وقيل : إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران ، ومع عدم الاعتدال يميل ، فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين . وقيل : ذكر الجناحين للتأكيد كضرب بيده وأبصر بعينيه . والجناح : أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء ، وأصله : الميل إلى ناحية من النواحي . والمعنى : ما من دابة من الدواب التي تدبّ في أيّ مكان من أمكنة الأرض ، ولا طائر يطير في أيّ ناحية من نواحيها { إِلاَّ أُمَم أمثالكم } أي جماعات مثلكم خلقهم الله كما خلقكم ، ورزقهم كما رزقكم داخلة تحت علمه وتقديره وإحاطته بكل شيء . وقيل : أمثالنا في ذكر الله والدلالة عليه . وقيل : { أمثالنا } في كونهم محشورين ، روى ذلك عن أبي هريرة . وقال سفيان بن عيينة : أي ما من صنف من الدوابّ والطير إلا في الناس شبه منه ، فمنهم من يعدو كالأسد ، ومنهم من يشره كالخنزير ، ومنهم من يعوي كالكلب ، ومنهم من يزهو كالطاوس . وقيل : { أمثالكم } في أن لها أسماء تعرف بها ، وقال الزجاج أمثالكم في الخلق والرزق ، والموت ، والبعث ، والاقتصاص . والأولى أن تحمل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائناً ما كان .
قوله : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيء } أي : ما أغفلنا عنه ولا ضيعنا فيه من شيء . والمراد بالكتاب : اللوح المحفوظ ، فإن الله أثبت فيه جميع الحوادث .
وقيل إن المراد به القرآن ، أي ما تركنا في القرآن من شيء من أمر الدين إما تفصيلاً أو إجمالاً ، ومثله قوله تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا لكُلّ شَيء } ، وقال : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ } ، ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله : { مَا آتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا }فأمر في هذه الآية باتباع ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكل حكم سنة الرسول لأمته قد ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز ، بهذه الآية وبنحو قوله تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني } وبقوله : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَة حَسَنَة } ، «ومن » في { مِن شَيء } مزيدة للاستغراق .
قوله : { ثُمَّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ } يعني : الأمم المذكورة ، وفيه دلالة على أنها تحشر كما يحشر بنو آدم ، وقد ذهب إلى هذا جمع من العلماء ، ومنهم أبو ذرّ ، وأبو هريرة ، والحسن ، وغيرهم . وذهب ابن عباس إلى أن حشرها موتها ، وبه قال الضحاك . والأوّل أرجح للآية ، ولما صح في السنة المطهرة من أنه يقاد يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ، ولقول الله تعالى : { وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ } ، وذهبت طائفة من العلماء إلى أن المراد بالحشر المذكور في الآية حشر الكفار ، وما تخلل كلام معترض . قالوا : وأما الحديث فالمقصود به التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص . واستدلوا أيضاً بأن في هذا الحديث خارج الصحيح عن بعض الرواة زيادة ، ولفظه : «حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء ، وللحجر لم ركب على الحجر ؟ والعود لم خدش العود ؟ » قالوا : والجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.