{ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ( 21 ) أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ( 22 ) الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ( 23 ) }
فسلكه ينابيع : أي : أدخله في الأرض فصار جاريا تحتها ، ينبع منها فكان بذلك ينابيع .
مختلفا ألوانه : ما بين أخضر وأبيض وأحمر وأصفر ، وأنواعه من بر وشعير وذرة وفول وعدس .
ثم يهيج فتراه مصفرا : ييبس فتراه أيها الرائي بعد الخضرة مصفرا .
21- { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب } .
ألم تر أيها النبي ، ويا كلّ من تتأتّى منه الرؤية ، أن الله تعالى يسبب الأسباب لنزول الأمطار ، مثل شروق الشمس ، وإرسال أشعتها على المحيطات ، وتصاعد البخر إلى السماء ، ووجود السحاب الذي تحركه الرياح ، ثم يتساقط مطرا ، فينزل جانب منه في باطن الأرض ، ثم تتفجر منه الينابيع والعيون والأفلاج ، التي تسقي الزروع المختلفة الألوان ، فمنها الأخضر ومنها الأحمر ومنها الأبيض ومنها الأصفر ، وكذلك الزروع المختلفة الأنواع كالقمح والذرة والأزر ، والفول والعدس والبرسيم والقثاء ، والبطيخ والشمّام والخيار والدبّاء والخضراوات ، وغير ذلك من الأصناف والألوان ، التي تبهج النفس ، وتقدم الغذاء والفاكهة والطعام للإنسان والحيوان والحشرات والطيور ، وغيرها من الزواحف وسائر المخلوقات ، وبذلك يعمر الكون وتستمر الحياة ، ويتعظ أولوا الألباب وأصحاب العقول ، بأن الماء تسبب في إنبات الزروع المختلفة ، وأنها نبتت ثم اخضرت ، وصارت بهجة للناظرين فترة محدودة ، ثم يبست واصفرت وتكسرت ، وصارت حطاما ، وكذلك الحياة الدنيا تنتهي في وقت محدد ، ويعقبها البعث والحشر والجزاء .
قال تعالى : { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح ، وكان الله على كل شيء مقتدرا } . ( الكهف : 45 ) .
قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ } :
ذلك خطاب من الله عظيم يستوقف المسامع وينبِّه الأذهان للأحداث الكونية التي تدل في جريانها المقدور على سرعة فناء الدنيا واضمحلالها . وكثيرا ما يضرب الله لذلك مثلا من الماء النازل من السماء إلى الأرض فيخرج به النبات حتى إذا نما واخضرّ وأينع صار بعد ذلك إلى لذبول والجفاف واليبس والتفتُّت . وكذلك الإنسان يولد صغيرا لا يعي ولا يعقل ثم يمرّ في مراحل من التطور بدءا بالطفولة فاليفاع فالشباب فالشيخوخة ولهرم الذي يُفضي لا محالة إلى الموت والبلى . وهو قوله سبحانه : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } يعني أنزل بقدرته ومشيئته المطر من السماء وهو العلو من الفضاء الواسع { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ } أي أدخله في الأرض ينابيع وهي العيون والمسالك والمجاري الكائنة في الأرض كالعروق في الأجساد { ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ } يخرج الله بواسطة الماء زرعا مختلف الأنواع والأصناف والطعوم والروائح والألوان من خُضرة وحمرة وصفرة وبياض { ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا } أي بعد ذلك يجف وييبس فينقلبُ لونه أصفر بعد أن كان نضرا أخضر { ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا } أي فُتاتا متكسرا . وهو ما تفتَّت وتكسر من النبات وغيره .
قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ } الإشارة عائدة على ما ذُكر من تفصيل عن نزول المطر وإنبات الزرع ذي النضارة والجمال والاخضرار ثم صيروته حطاما يابسا مُتفتتا ؛ فإن في ذلك { لَذِكْرَى } أي لتذكيرا { لِأُولِي الْأَلْبَابِ } أي لأصحاب العقول النيرة الذين يتذكرون ويعتبرون بذلك وينتبهون إلى أن الدنيا شأنها هكذا ؛ إذ تكون خضرة حسناء ثم تنقلب هرمة واهية شوهاء . وكذلك الإنسان يكون شابا مكتمل القوة والهمة والبأس ثم يعود شيخ كبيرا هرما وقد أتى عليه الضعف والهزل ثم يُفْضي بعد ذلك كله إلى النهاية المحتومة الموت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.