تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (29)

المفردات :

متشاكسون : مختلفون يتنازعون لسوء طباعهم .

سلما لرجل : خالصا لسيد واحد .

بل أكثرهم لا يعلمون : لا يعلمون الحق فيتبعوه .

التفسير :

29- { ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون } .

هذا أيضا من أمثلة القرآن الموضحة التي يشبه فيها حالا عجيبة بأخرى مثلها .

ومعنى الآية :

ضرب الله مثالا للمشرك والموحد ، فالمشرك صفته صفة عبد يملكه أشخاص متعددون متنازعون مختلفون ، يكلفونه بأعمال متعددة في وقت واحد ، وإذا طلب من أحدهم مالا أو طعاما أو كساء ، أو غير ذلك مما يحتاج إليه ، أحاله على المالك الآخر ، فيصاب بالإحباط والتشوش ، إذ لا يدري من الذي يطيع ، وعلى من يعتمد من هؤلاء المالكين له ، هذا شأن المشرك بالله ، الذي يعبد أصناما شتّى لا تنفعه ولا تفيده ولا تدفع عنه ضرا ، فهو في حالة إحباط وتشوش ، كاسفا باله قليل الرجاء ، أما المثل الآخر فهو حالة رجل سلم لرجل ، أي عبد لا يملكه إلا رجل واحد ، يكلفه بمطالبه في نظام وترتيب ، ويتكفل المالك الواحد بما يحتاج إليه العبد من طعام وشراب وكساء وغير ذلك ، وهذا مثال للمؤمن الذي يعبد ربّا واحدا يلجأ إليه في البأساء ، ويشكره في النعماء ، ويؤمن به وحده ، ويعبده وحده لا شريك له ، ويتكفل الله تعالى به ويرعاه الله القوي القدير .

{ هل يستويان } .

هل يستوي من توزّع بين عدة ملاك متشاكسين ، يقول له أحدهم : اذهب إلى مكان كذا ، فيقول الثاني : لا تذهب لأني أريدك في عمل كذا ، وبين عبد ملكيته سالمة وخالصة لشخص واحد ، أموره مرتبة وهذا المالك متكفل برعاية عبده ، وسدّ حاجاته .

والجواب : لا يستويان .

{ الحمد لله } . أي الثناء الجميل والشكل العظيم له تعالى ، على أنه رب واحد ، وإله واحد ، لا إله غيره ولا رب سواه .

{ بل أكثرهم لا يعلمون } .

بل أكثر المشركين لا يعلمون عدم تساوي الرجلين ولا يدركون هذا الفرق بينهما ، فيشركوا مع الله غيره .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (29)

قوله : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } { مثلاً } ، مفعول لضرب . و { رجلاً } بدل منه ، والمراد به عبد { فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } أي متنازعون متخاصمون في ذلك العبد المشترك بينهم { وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ } أي سالما له ، خالصا من الاشتراك فيه ، فلا يملكه أحد غير رجل واحد .

قوله : { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } { مثلاً } بمعنى صفة ، وهو تمييز . أي هل يستوي هذان الرجلان في حالهما وصفتهما ؟ ! وهو استفهام إنكار واستبعاد لاستوائهما . والمراد من المثل : أنه لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله ، والمؤمن المخلص الذي يعبد الله وحده لا شريك له .

فالمشرك يتيه في ضلاله حائرا بين الشركاء والأنداد ، وهي كثيرة ومختلفة وصماء يتخبط الجاهلون في تعظيمها والتخشُّع أمامها . لكن المؤمن الذي أخلص دينه وعبادته لله وحده دون غيره من الشركاء ، لا جرم أنه مستقر في سكينته وراحته وطمأنينته .

قوله : { الْحَمْدُ لِلَّهِ } ذلك تنبيه من الله للموحدين على ما امتنَّ به عليهم من توفيقهم لتوحيده وطاعته . لا جرم أن هذه نعمة جليلة تقتضي دوام الحمد لله تعالى بالخضوع له وعبادته وتمام طاعته .

قوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أضرب عن بيان عدم الاستواء بين الرجلين المملوكين إلى بيان أن { أكثر الناس لا يعلمون } أي لا يعلمون الحق ، وهم ناكبون عن صراط الله السويِّ وناكلون عن منهجه الحكيم .