تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

المفردات :

ناشئة الليل : العبادة التي تنشأ به وتحدث ، أو إحياء ما بين المغرب والعشاء ، أو إحياء الساعات التالية لصلاة العشاء .

أشد وطئا : ثباتا للقدم ، ورسوخا في العبادة ، وقيل : أكثر مواطأة وتوافقا بين القلب واللسان .

أقوم قيلا : أثبت قراءة لحضور القلب فيها .

التفسير :

2- إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا .

ناشئة الليل . ساعات الليل ، وقيل : الصلاة بين المغرب والعشاء ، وقيل : ناشئة الليل هي الساعات التي تلي صلاة العشاء ، وقيل : هي الثلث الأخير من الليل .

وفي الصحيح : ( ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير ، فيقول : يا عبادي ، هل من داع فأستجيب له ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من تائب فأتوب عليه ، هل من طالب حاجة فأقضيها له ، حتى يطلع الفجر ) . v .

وقيل : ناشئة الليل هي جميع ساعات الليل وأوقاته ، حيث جعل الله ليلا سباتا ، ونوما وراحة ، فقيام المؤمن يصلّي في ظلام الليل ، وقد غارت النجوم ، ونامت العيون ، وبقي الله الحي القيوم ، يجعل لهذه الصلاة مذاقا خاصّا ، حيث يترك المؤمن فراشه ويتجافى عنه ، ويدعو ربه .

كما قال تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون* فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون . ( السجدة : 16 ، 17 ) .

وقال تعالى : كانوا قليلا من الليل ما يهجعون* وبالأسحار هم يستغفرون . ( الذاريات : 17 ، 19 ) .

وفي الحديث الشريف : ( عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، ومطردة للدّاء عن الجسد ) . vi .

وقيام الليل يكون سببا في نور القبور على أصحابها ، وفي قيام الليل صفاء وهدوء وراحة وسعادة ، وموافقة القلب للسان ، وتغلّب على الخلود إلى النوم .

ومعنى الآية :

إن ناشئة الليل . ما ينشأ في ساعات الليل بعد العشاء .

هي أشدّ وطئا . أجهد للبدن ، أو أشد مواطأة وموافقة بين القلب واللسان .

وأقوم قيلا . أثبت وأبين قولا لهدوء الأصوات ، وانقطاع الحركات ، وذلك أعون للنفس على التدبّر والتأمل في أسرار القرآن ومقاصده .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

قوله : { إن ناشئة الليل هي أشد وطئا } ناشئة الليل هي أوقاته وساعاته ، لأن أوقاته تنشأ أولا فأولا . واختلفوا في المراد بناشئة الليل . فقد قال ابن عمر وأنس بن مالك : ما بين المغرب والعشاء .

وعن عائشة وابن عباس ( رضي الله عنهم ) أن الناشئة هي القيام بالليل بعد النوم . فمن قام أول الليل قبل النوم فما قام ناشئة . وجاء في الصحاح أن ناشئة الليل أول ساعاته . وعن الحسن أنها ما بعد العشاء الآخرة إلى الصبح . وقيل : وقيل : هي القيام من آخر الليل .

قوله : { هي أشد وطئا } وطئا ، منصوب على التمييز{[4670]} يعني : أشد موافقة لما يراد من الخشوع والإخلاص . وعن الحسن قال : أشد موافقة بين السر والعلن لانقطاع رؤية الخلائق . وقيل : أثقل على المصلي من ساعات النهار ، لأن الليل وقت منام وراحة وسكينة فمن شغله بالعبادة فقد احتمل مشقة كبيرة .

قوله : { وأقوم قيلا } ذكر في تأويل ذلك عدة أقوال ، وهي في مدلولاتها متقاربة . فقد قيل : أصوب للقراءة وأثبت للقول . وهو قول قتادة ومجاهد . وقيل : عبادة الليل أتم نشاطا وأتم إخلاصا وأكثر بركة . وهو قول عكرمة . وقيل : أقوم قراءة لفراغه من الدنيا . وقال ابن عباس : أدنى من أن تفقهوا القرآن .


[4670]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 469.