{ وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدوا إلى فرارا }
لا مقام لكم : لا ينبغي الإقامة ها هنا .
واذكروا حين ظهر النفاق من جماعة من المنافقين فنصحوا أهل المدينة بعدم الصبر على الجهاد والكفاح وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اتخذ موقعا حصينا للقتال فجبل سلع خلف ظهور المسلمين والخندق بينهم وبين المشركين فقالت طائفة من المنافقين : يا أهل المدينة ليس هذا الموقع مناسبا لإقامتكم فارجعوا إلى المدينة للإقامة في بيوتكم أو لا مقام لكم في دين الإسلام فارجعوا إلى ما كنتم عليه فرارا من تبعة الجهاد والدفاع عن الإسلام .
وفريق آخر من المتخاذلين بعثوا من يستأذن لهم من النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة على بيوتهم لحمايتها فهي باطلة غير حصينة يخاف عليها من السراق والحال أن بيوتهم سليمة حصينة ولكن السبب الحقيقي وراء استئذانهم هو الفرار والهرب من تكاليف الجهاد وأعبائه .
1- روى أن بني حارثة بعثت بأوس بن قيظي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : إن بيوتنا عورة . . . وليس دار من دور الأنصار مثل دورنا ، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا فنمنع ذرا رينا ونساءنا فأذن لهم صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله لا تأذن لهم إنا والله ما أصابنا وإياهم شدة إلا صنعوا هكذا . . . فردهم .
( فائدة ) : يثرب من أسماء المدينة كما في الصحيح19 " أريت في المنام دار هجرتكم أرض بين حرتين فذهب وهلى أنها هجر فإذا هي يثرب " وفي لفظ : المدينة .
قال ابن كثير : فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد20 عن البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله تعالى إنما هي طابة هي طابة فقد تفرد بروايته الإمام أحمد وفي إسناده ضعف . أه .
قوله عز وجل :{ وإذ قالت طائفة منهم } أي : من المنافقين ، وهم أوس بني قيظي وأصحابه ، { يا أهل يثرب } يعني المدينة ، قال أبو عبيدة : يثرب : اسم أرض ، ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها . وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى المدينة يثرب ، وقال : هي طابة ، كأنه كره هذه اللفظة . { لا مقام لكم } قرأ العامة بفتح الميم ، أي : لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وحفص : بضم الميم ، أي : لا إقامة لكم ، { فارجعوا } إلى منازلكم عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : عن القتال إلى مساكنكم . { ويستأذن فريق منهم النبي } وهم بنو حارثة وبنو سلمة ، { يقولون إن بيوتنا عورة } أي : خالية ضائعة ، وهو مما يلي العدو ونخشى عليها السراق . وقرأ أبو رجاء العطاردي عورة بكسر الواو ، أي : قصيرة الجدران يسهل دخول السراق عليها ، فكذبهم الله فقال : { وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً } أي : ما يريدون إلا الفرار .
ولما ذكر ما هو الأصل في نفاقهم وهو التكذيب ، أتبعه ما تفرع عليه ، ولما كان تخذيلهم بالترجيع مرة ، عبر عنه{[55193]} بالماضي فقال : { وإذ قالت } أنث الفعل إشارة إلى رخاوتهم وتأنثهم في الأقوال والأفعال { طائفة منهم } أي قوم كثير من موتى القلوب ومرضاها {[55194]}يطوف بعضهم{[55195]} ببعض : { يا أهل يثرب } عدلوا عن الاسم - الذي وسمها به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وطيبة مع حسنه - إلى الاسم الذي كانت تدعى به قديماً مع احتمال قبحه باشتقاقه من الثرب الذي هو اللوم والتعنيف ، إظهاراً للعدول عن الإسلام ، قال في الجمع بين العباب والمحكم : ثرب عليه ثرباً وأثرب ، بمعنى ثرب تثريباً - إذا لامه وعيّره بذنبه وذكره به . وأكدوا بنفي الجنس لكثرة مخالفتهم في ذلك فقالوا : { لا مقام لكم } أي قياماً أو موضع قيام تقومون به - على قراءة الجماعة{[55196]} بالفتح{[55197]} ، وعلى قراءة حفص بالضم المعنى : لا إقامة أو موضع إقامة{[55198]} في مكان{[55199]} القتال ومقارعة الأبطال { فارجعوا } إلى منازلكم هراباً ، وكونوا مع نسائكم أذناباً{[55200]} ، أو إلى دينكم الأول على وجه المصارحة لتكون لكم{[55201]} عند هذه الجنود يد{[55202]} .
ولما ذكر هؤلاء الذين هتكوا الستر ، وبينوا ما هم فيه من سفول الأمر ، أتبعهم آخرين تستروا بعض التستر{[55203]} تمسكاً بأذيال النفاق ، خوفاً من أهوال الشقاق ، فقال : { ويستأذن } أي يجدد كل وقت طلب الإذن لأجل{[55204]} الرجوع إلى البيوت والكون مع النساء { فريق منهم } أي طائفة شأنها الفرقة { النبي } وقد رأوا ما حواه من علو المقدار بما له من حسن الخلق ، والخلق ، وما لديه من جلالة الشمائل وكريم الخصائل ، ولم يخشوا من إنبائنا له بالأخبار ، وإظهارنا له الخبء ، من مكنون الضمائر وخفي الأسرار ، حال كونهم { يقولون } أي{[55205]} في كل قليل ، مؤكدين لعلمهم بكذبهم وتكذيب المؤمنين لهم قولهم{[55206]} : { إن بيوتنا } أتوا بجمع الكثرة إشارة إلى كثرة أصحابهم من المنافقين { عورة } أي بها{[55207]} خلل كثير{[55208]} يمكن من أراد من الأحزاب أن يدخلها منه ، فإذا ذهبنا إليها حفظناها منهم وكفينا من يأتي إلينا من مفسديهم{[55209]} حماية للدين ، وذباً عن الأهلين .
ولما قالوا ذلك مؤكدين له ، رده الله تعالى موكداً لرده مبيناً لما أرادوا فقال : { وما } أي والحال أنها ما { هي } في ذلك الوقت الذي قالوا هذا فيه ، وأكد النفي فقال{[55210]} : { بعورة } ولا يريدون بذهابهم حمايتها { إن } أي ما { يريدون }{[55211]} باستئذانهم { إلا فراراً * }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.