تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

{ أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا ءاباؤهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما }

المفردات :

أدعوهم لآبائهم : انسبوهم لآبائهم الذين ولدوهم . .

هو أقسط : أعدل .

مواليكم : أولياؤكم فيه .

جناح : إثم .

فيما أخطأتم به : فيما فعلتموه مخطئين جاهلين قبل النهي .

تعمدت قلوبكم : قصدته عمدا بعد النهي عنه .

التفسير :

انسبوا هؤلاء الأدعياء إلى آبائهم الحقيقيين فذلك أعدل عند الله وأفضل في نسب من كان معروفا نسبه إلى أبيه وكان زيد بن حارثة يسمى زيد بن محمد فأصبح يسمى زيد بن حارثة أما من لم يكن معروف النسب فيقال له يا أخي في الدين أو يا مولاي بمعنى يا صديقي أو يا نصيري .

قال ابن كثير :

أمر الله برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عرفوا فإن لم يعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم عوضا عما فاتهم من النسب ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة " أنت أخونا ومولانا " 6 وقال ابن عمر ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت : ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله . . . . 7 أخرجه البخاري .

وقيل لسالم بعد نزول الآية : مولى حذيفة وكان تبناه من قبل ، وجاء في الحديث الذي رواه أحمد والشيخان عن أبي ذر ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر . 8

قال ابن كثير : هذا تشبيه وتهديد ووعيد أكيد في التبري من النسب المعلوم .

{ وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به . . . } ليس عليكم ذنب فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي أو بعده نسيانا أو سبق لسان .

{ ولكن ما تعمدت قلوبكم . . . } ولكن الذنب والإثم لمن تعمد إلحاق الابن بغير أبيه فتلك معصية موجبة للعقاب ولا إثم ولا تحريم فيما غلب عليه اسم التبني كالمقداد بن عمرو فإنه غلب عليه نسب التبني فيقال له : المقداد بن الأسود والأسود هو الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية فلما نزلت الآية قال المقداد أنا ابن عمرو ومع ذلك بقى الإطلاق عليه .

{ وكان الله غفورا رحيما . . . } وكان الله- وما زال- ساترا لذنب المخطئ والمتعمد إذا تابا رحيما بهما فلا يعاقبهما فمن رحمته أنه رفع الإثم عن المخطئ وقبل توبة المسيء عمدا .

قال تعالى : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا . . . ( البقرة : 286 ) وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عز وجل قد فعلت " . 9

وفي صحيح البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " . 10

وروى ابن ماجة عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " . 11

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة أنه قال في الآية : لو دعوت رجلا لغير أبيه وأنت ترى أنه أبوه لم يكن عليك بأس ولكن ما تعمدت دعاءه لغير أبيه .

وروى الإمام أحمد عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل معه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ثم قال قد كنا نقرأ " ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم " . 12

وروى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث في الناس كفر : الطعن في النسب والنياحة على الميت والاستسقاء بالنجوم " . 13

وقال في التفسير المنير : هناك فرق بين التبني المنهي عنه والاستلحاق الذي أباحه الإسلام فالتبني هو ادعاء الولد مع القطع بأنه ليس ابنه واما الاستلحاق الشرعي فهو أن يعلم المستلحق أن المستلحق ابنه أو يظن ذلك ظنا قويا بسبب وجود زواج سابق غير معلن . 14

***

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

قوله تعالى :{ ادعوهم لآبائهم } الذين ولدوهم ، { هو أقسط } أعدل ، { عند الله } .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا معلى بن أسد ، أنبأنا عبد العزيز المختار ، أنبأنا موسى بن عقبة ، حدثني سالم عن عبد الله بن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما كنا ندعو إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم } أي : فهم إخوانكم ، { في الدين ومواليكم } إن كانوا محررين وليسوا بنيكم ، أي : سموهم بأسماء إخوانكم في الدين . وقيل : مواليكم أي : أولياءكم في الدين ، { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } قبل النهي فنسبتموه إلى غير أبيه ، { ولكن ما تعمدت قلوبكم } من دعائهم إلى غير آبائهم بعد النبي . وقال قتادة : فيما أخطأتم به أن تدعوه لغير أبيه ، وهو يظن أنه كذلك . ومحل " ما " في قوله تعالى : ما تعمدت خفض رداً على ما التي في قوله فيما أخطأتم به مجازه : ولكن فيما تعمدت قلوبكم . { وكان الله غفوراً رحيماً } .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا محمد بن بشار ، أنبأنا غندر ، أنبأنا شعبة عن عاصم ، قال : سمعت أبا عثمان قال : سمعت سعداً ، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وأبا بكرة وكان قد تسور حصن الطائف في أناس ، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا : سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه ، فالجنة عليه حرام " .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡۚ وَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٞ فِيمَآ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا} (5)

ولما كان كأنه قيل : فما تقول ؟ اهدنا إلى سبيل الحق في ذلك ، أرشد إلى أمر التبني إشارة إلى أنه هو المقصود في هذه السورة لما يأتي بعد من آثاره التي هي المقصودة{[55046]} بالذات بقوله : { ادعوهم } أي الأدعياء { لآبائهم } أي إن علموا ولداً قالوا : زيد بن حارثة ؛ ثم علله بقوله : { هو } أي هذا الدعاء { أقسط } أي أقرب إلى العدل من التبني وإن كان إنما هو لمزيد الشفقة على المتبني والإحسان إليه { عند الله } أي الجامع لجميع صفات الكمال ، فلا ينبغي أن يفعل في ملكه إلا ما هو أقرب إلى الكمال ، وفي هذا بالنسبة إلى ما مضى بعض التنفيس عنهم ، وإشارة إلى أن ذلك التغليظ بالنسبة إلى مجموع القولين المتقدمين .

ولما كانوا قد يكونون{[55047]} مجهولين ، تسبب عنه قوله : { فإن لم تعلموا آباءهم } لجهل أصلي{[55048]} أو طارئ { فإخوانكم في الدين } إن كانوا دخلوا في دينكم { ومواليكم } أي أرقاؤكم مع بقاء الرق أو مع العتق على كلتا الحالتين ، ولذا قالوا : سالم مولى أبي حذيفة . ولما نزل هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " - أخرجه الشيخان{[55049]} عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة رضي الله عنهما .

ولما كانت عادتهم الخوف مما سبق من أحوالهم على النهي لشدة ورعهم ، أخبرهم أنه تعالى أسقط عنهم ذلك لكونه خطأ ، وساقه على وجه يعم ما بعد النهي أيضاً{[55050]} فقال : { وليس عليكم جناح } أي إثم وميل واعوجاج ، وعبر بالظرف ليفيد أن الخطأ لا إثم فيه بوجه ، ولو عبر بالباء لظن أن فيه إثماً ، ولكنه عفا عنه فقال : { فيما أخطأتم به } أي من الدعاء بالبنوة والمظاهرة أو في شيء قبل النهي أو بعده ، ودل قوله : { ولكن ما } أي الإثم فيما { تعمدت قلوبكم } على زوال الحرج أيضاً فيما وقع بعد النهي على سبيل النسيان أو سبق اللسان ، ودل تأنيث الفعل على أنه لا يتعمده{[55051]} بعد البيان الشافي{[55052]} إلا قلب فيه رخاوة الأنوثة ، ودل جمع الكثرة على عموم الإثم إن لم ينه المتعمد .

ولما كان هذا الكرم خاصاً بما تقدمه ، عم سبحانه بقوله : { وكان الله } أي لكونه لا أعظم منه ولا{[55053]} أكرم منه { غفوراً رحيماً * } أي من صفته الستر البليغ على المذنب التائب ، والهداية العظمية للضال الآئب ، والإكرام بإيتاء الرغائب .


[55046]:من م ومد، وفي الأصل وظ: المقصود.
[55047]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يكونوا.
[55048]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أصل.
[55049]:البخاري في باب من ادعى إلى غير أبيه من كتاب الفرائض ـ راجع صحيحه 3/1001، ومسلم في باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، من كتاب الإيمان ـ راجع صحيحه 1/57.
[55050]:زيد من ظ وم ومد.
[55051]:في ظ وم ومد: لا يتعمد.
[55052]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الثاني.
[55053]:سقط من ظ وم ومد.