تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

صدق العقيدة

{ وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا 18 وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا 19 قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا 20 قل إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا 21 قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا 22 إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا 23 حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا 24 }

المفردات :

المساجد : واحدها مسجد ، وهو موضع السجود للصلاة والعبادة ، ويدخل فيها الكنائس والبيع ومساجد المسلمين .

فلا تدعوا : فلا تعبدوا .

سبب النزول :

سبب نزول الآية ( 18 ) :

وأنّ المساجد لله . . . الآية .

أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : قالت الجن : يا رسول الله ، ائذن لنا ، فنشهد معك الصلوات في مسجدك ، فأنزل الله : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا . وروى ذلك أيضا عن الأعمش .

وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن جبير قال : قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف لنا نأتي المسجد ونحن ناءون عنك ، أي : بعيدون عنك ، أو كيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عنك ، فنزلت : وأن المساجد لله . . . الآية .

سبب نزول الآية ( 20 ) :

قل إنما أدعوا ربي . . . سبب نزولها كما ذكر الشوكاني : أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك جئت بأمر عظيم ، وقد عاديت الناس كلهم ، فارجع عن هذا فنحن نجيرك .

سبب نزول الآية ( 22 ) :

قل إني لن يجيرني . . . أخرج ابن جرير ، عن حضرمي ، أنه ذكر أن جنيّا من الجن من أشرافهم ذا تبع قال : إنما يريد محمد أن يجيره الله ، وأنا أجيره ، فأنزل اله : قل إني لن يجيرني من الله أحد . . . الآية . v .

التفسير :

18- وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا .

كان المشركون يضعون الأصنام حول الكعبة ، ويدعونها ويتقربون إليها مع عبادتهم لله تعالى ، فأنزل الله تعالى هذا التوجيه الإلهي ، يفيد أن المساجد لله وحده ، فلا يجوز أن يعبد صنم أو وثن أو شخص مع الله عز وجل ، أي أخلصوا المساجد لتوحيد الله وعبادته عبادة خالصة له ، ولا تدعوا معه أي أحد من المخلوقين .

وقال سعيد بن جبير : نزلت في أعضاء السجود ، أي هي لله فلا تسجدوا بها لغير الله .

وفي الحديث أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة –وأشار بيده إلى أنفه- واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين )vi . فلا يجوز السجود بها لغير الله .

وقيل : المعنى : أفردوا المساجد لذكر الله ، ولا تتخذوها هزوا ومتجرا ومجلسا وطرقا ، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيبا .

وفي الحديث : ( من نشد ضالة في المسجد فقولوا : لا ردها الله عليك ، فإن المساجد لم تبن لذلك )vii .

وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قدّم رجله اليمنى وقال : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا . ( اللهم أنا عبدك وزائرك ، وعلى كل مزور حق ، وأنت خير مزور ، فأسألك برحمتك أن تفكّ رقبتي من النار ) ، فإذا خرج من المسجد قدّم رجله اليسرى وقال : ( اللهم صبّ على الخير صبّا ، ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبدا ، ولا تجعل معيشتي كدّا ، واجعل لي في الأرض جدّا ) . أي غنى .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

{ وأن المساجد لله } يعني المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله ، { فلا تدعو مع الله أحدا } قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله فأمر الله المؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد وأراد بها المساجد كلها . وقال الحسن : أراد بها البقاع كلها لأن الأرض جعلت كلها مسجداً للنبي صلى الله عليه وسلم . وقال سعيد بن جبير : قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف لنا أن نشهد معك الصلاة ونحن ناؤون ؟ فنزلت : { وأن المساجد لله } . وروي عن سعيد بن جبير أيضاً : أن المراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها الإنسان وهي سبعة : الجبهة واليدان والركبتان والقدمان ؟ يقول : هذه الأعضاء التي يقع عليها السجود مخلوقة لله فلا تسجدوا عليها لغيره .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، حدثنا علي بن الحسن الهلالي والسري بن خزيمة قالا : حدثنا يعلى بن أسد ، حدثنا وهيب ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء الجبهة -وأشار بيده إليها- واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين ، ولا أكفت الثوب ولا الشعر " . فإذا جعلت المساجد مواضع للصلاة ، فواحدها مسجد ، بكسر الجيم ، وإن جعلتها الأعضاء فواحدها مسجد ، بفتح الجيم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأن المساجد لله} يعني الكنائس والبيع والمساجد لله.

{فلا تدعوا مع الله أحدا} وذلك أن اليهود والنصارى يشركون في صلاتهم في البيع والكنائس، فأمر الله المؤمنين أن يوحدوه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ...وَأنّ المَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا "أيها الناس "مَعَ اللّهِ أحَدا" ولا تشركوا به فيها شيئا، ولكن أفردوا له التوحيد، وأخلصوا له العبادة...

عن عكرِمة: "وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ" قال: المساجد كلها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي ما يسجد فيه وما يسجد به: فما يسجد فيه، هي البقاع، وما يسجد به، هي الجوارح؛ فكأنه يقول: إن البقاع التي يسجد فيها، والأعضاء التي يسجد بها، لله تعالى لأنه، هو الذي خلقها، وأنشأها، والمساجد التي بنيت فإنما تبنى لعبادة الله تعالى وليدعى فيها، فلا تشركوا غيره في العبادة والدعاء...

وقال بعضهم: المساجد ههنا البيع والكنائس لأن البيع والكنائس بنيت ليعبد الله تعالى فيها، فنهاهم أن يعبدوا فيها غير الله، فيخرج هذا مخرج الاحتجاج: أنكم قد علمتم أن المساجد بنيت لتعبدوا الله فيها، فلا تعبدوا فيها غيره. وإذا كان الله منشئها وخالقها دون غيره، فكيف تشركون معه غيره في العبادة والدعاء، وليس هو بمنشئ لها؟.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

قال الحسن: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} يعني الصلوات.

وقيل: معناه فردّوها لذكر الله وعبادته؛ فلا تتخذوها متجراً ولا مجلساً ولا طرقاً ولا تجعلوا فيها لغير الله نصيباً.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فلا تدعوا {مَعَ الله أَحَداً} في المساجد، لأنها لله خاصة ولعبادته.

وعن الحسن: يعني الأرض كلها؛ لأنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم مسجداً. وقيل: هي جمع مسجد وهو السجود.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{المساجد} قيل أراد بها البيوت التي هي للعبادة والصلاة في كل ملة.

وقال الحسن: أراد كل موضع سجد فيه كان مخصوصاً لذلك أو لم يكن، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة.

وروي أن هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة، حينئذ فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: المواضع كلها لله، فاعبده حيث كان.

وقال الخليل بن أحمد: معنى الآية، ولأن {المساجد لله فلا تدعوا} أي لهذا السبب، وكذلك عنده {لإيلاف قريش} [قريش: 1] {فليعبدوا} 22 [قريش: 3] وكذلك عنده {وأن هذه أمتكم أمة واحدة 23} [الأنبياء: 92، المؤمنون: 52]. و {المساجد} المخصوصة بينة التمكن في كونها لله تعالى؛ فيصح أن تفرد للصلاة والدعاء وقراءة العلم، وكل ما هو خالص لله تعالى، وأن لا يتحدث بها في أمور الدنيا. ولا يتخذ طريقاً، ولا يجعل فيها لغير الله نصيب، ولقد قعدت للقضاء بين المسلمين في المسجد الجامع بالمرية مدة، ثم رأيت فيه من سوء المتخاصمين وأيمانهم وفجور الخصام وغائلته ودخول النسوان ما رأيت تنزيه البيت عنه فقطعت القعود للأحكام فيه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ودعاء غير الله قد يكون بعبادة غيره؛ وقد يكون بالالتجاء إلى سواه؛ وقد يكون باستحضار القلب لأحد غير الله.

الشعراوي- 1419هـ:

... فإذا دخلتَ المسجد للعبادة فإنَّ لحظة دخولك المسجد هي لحظة جئت فيها لتقترب من ربك وتناجيه وتعيش في حضن عنايته، فلا تأت بالدنيا معك.

وقد كان أحدُ الصحابة يقول: كنا نخلع أمر الدنيا مع نعالنا.

المسجد لن يأخذ منك إلا الوقت القليل فضع قدرك مع نعلك خارج المسجد، وادخل بلا قدر إلا قدر إيمانك بالله، ادخل بعبوديتك لله، ولا تلحظ قدرا إلا قدرك عند الله.

واجلس حيث ينتهي بك المجس ولا تتخط الرقاب وانْوِ الاعتكاف ولا تتكلم في أي أمر من أمور الدنيا.

فالمساجد هي فيوضات الحق النورانية على خلقه، فالذي يريد فيض الحق بنوره، فليذهب إلى المسجد، فالمسجد هو مكان لا يزاول فيه إلا لقاء الله.

فليخصِّص الإنسان المؤمن ساعة لله وحده في اليوم، وليخلع كل أغراض الحياة الدنيا كما يخلع النعال على باب المسجد، فليس من حسن الأدب واللياقة أن ينشغل الانسان بأي شيء غير لقاء الله في الوقت المخصص للقاء الله، وفي المكان المخصص لهذا اللقاء.

ومع أن الأرض كلها تصلح للصلاة لكنك حين تأتي إلى المسجد اصحب معك أخلاق التعبُّد، ويجب أن يكون الانفعال والتفاعل والحركة والنشاط كله في الله.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

{ وأن المساجد لله } يعني المواضع التي يصلى فيها وقيل الأعضاء التي يسجد عليها وقيل يعني إن السجدات لله جمع مسجد بمعنى السجود { فلا تدعوا مع الله أحدا } أمر بالتوحيد لله تعالى في الصلاة

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

ولما كان التقدير : لأنه أوحى إليّ أن الأمر على ما تتعارفونه بينكم من أن من خدم غير سيده عذبه أبداً ، عطف عليه قوله مبيناً لسيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما يجب لهم من الكمال الذي يكون بقوتي{[69177]} العلم والعمل ، والتكميل الذي يكون بهما مع قوة البيان ، ومن لم يكن كاملاً لم يتصور منه تكميل ليكون له ولد قلب كما أن من لم يكن{[69178]} بالغاً لم يتحقق منه ولد صلب ، ومبيناً لما يجوز عليهم وما يستحيل منهم وما لله تعالى من العناية بشأنهم : { وأن } أي وأوحى إليّ أن { المساجد } أي مواضع السجود{[69179]} من العالم الآفاقي من الأرض ومن العالم النفسي من الجسد - كما قاله سعيد بن جبير وطلق بن حبيب { لله } أي مختصة{[69180]} بالملك الأعظم { فلا تدعوا } أي بسبب ذلك أيها المخلوقون على وجه العادة { مع الله } أي{[69181]} الذي له جميع العظمة { أحداً * }{[69182]} لأن من تعبد لغير سيده في ملك سيده الذي هو{[69183]} العالم الآفاقي وبآلة سيده الذي هو العالم النفسي كان أشد الناس لوماً وعقوبة فكيف يليق بكم أن يخلق لكم وجهاً ويدين ورجلين وأرضاً تنتفعون بها وسماء تتم نفعها فتسجدون بالأعضاء التي أوجدها لكم في الأرض التي أمكنكم من الانتفاع بها تحت السماء التي أتم منافعها بها لغيره فتكونون قد صرفتم نعمة السيد التي يجب شكره عليها لغيره أيفعل هذا عاقل ؟ قال البغوي{[69184]} : فإن جعلت المساجد مواضع الصلاة فواحدها بكسر الجيم ، وإن جعلتها الأعضاء فواحدها بفتح الجيم .


[69177]:- من ظ وم، وفي الأصل: بقوة.
[69178]:- زيد من ظ وم.
[69179]:- من م، وفي الأصل وظ: موضع.
[69180]:- من ظ وم، وفي الأصل: مخصصة.
[69181]:- زيد من ظ وم.
[69182]:- زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[69183]:- زيد من ظ وم.
[69184]:-في المعالم 7/134.