{ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من ءامن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات ءامنون } .
جزاء الضعف : الثواب المضاعف والضعف يعني الزيادة .
الغرفات : غرفات الجنة ومنازلها العالية .
آمنون : من المرض والموت وكل مكروه .
ليست الأموال ولا الأولاد ولا الجاه ولا السلطان تعني أن العبد مقرب من الله وذو وجاه ومنزلة لكن المؤمن الصالح الذي صدق في إيمانه وأعماله الصالح هو الذي يضاعف له الثواب في الآخرة ويدخل الجنة في أعلى الدرجات حال كونه آمنا من كل بأس أو خوف أو أذى وحرمان .
روى مسلم وأحمد وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا ينظر على صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " . xiv
فالخلاصة : أن لله حكمة لا يعلمها إلا هو بالنسبة للغنى والفقر قال تعالى : { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا } . ( الإسراء : 21 ) .
أي كما هم متفاوتون في الدنيا هذا فقير مدقع وهذا غنى موسع عليه فكذلك في الآخرة هذا في الغرفات في أعلى الدرجات وهذا في النار في أسفل الدركات .
وقد أخرج مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ك " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " . xv
وروى الترمذي عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء " . xvi
وروى ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها " فقال أعرابي لمن هي ؟ قال صلى الله عليه وسلم " من طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام " . xvii
قوله تعالى : { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى } أي : قربى ، قال الأخفش : قربى اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريباً ، { إلا من آمن } يعني : لكن من آمن ، { وعمل صالحاً } قال ابن عباس : يريد إيمانه وعمله يقربه مني ، { فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا } أي : يضعف الله حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة قرأ يعقوب : جزاء منصوباً منوناً الضعف رفع ، تقديره : لهم الضعف جزاء ، وقرأ العامة بالإضافة ، { وهم في الغرفات آمنون } قرأ حمزة : في الغرفة على واحدة ، وقرأ الآخرون بالجمع لقوله : { لنبوئنهم من الجنة غرفا } .
ثم قال تأكيدا : " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى " قال مجاهد : أي قربى . والزلفة القربة . وقال الأخفش : أي إزلافا ، وهو اسم المصدر ، فيكون موضع " قربى " نصبا كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا . وزعم الفراء أن التي " تكون للأموال والأولاد جميعا . وله قول آخر وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج ، يكون المعنى : وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا ، ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، ثم حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه . وأنشد الفراء :
نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راضٍ والرأيُ مختلف
ويجوز في غير القرآن : باللتين وباللاتي وباللواتي وباللذين وبالذين ؛ للأولاد خاصة أي لا تزيدكم الأموال عندنا رفعة ودرجة ، ولا تقربكم تقريبا . " إلا من آمن وعمل صالحا " قال سعيد بن جبير : المعنى إلا من آمن وعمل صالحا فلن يضره ماله وولده في الدنيا . وروى ليث عن طاوس أنه كان يقول : اللهم ارزقني الإيمان والعمل ، وجنبني المال والولد ، فإني سمعت فيما أوحيت " وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عدنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا " .
قلت : قول طاوس فيه نظر ، والمعنى والله أعلم : جنبني المال والولد المطغيين أو اللذين لا خير فيهما ، فأما المال الصالح والولد الصالح للرجل الصالح فنعم هذا وقد مضى هذا في " آل عمران ومريم والفرقان " {[13057]} . و " من " في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، أي لكن من آمن وعمل صالحا فإيمانه وعمله يقربانه مني . وزعم الزجاج أنه في موضع نصب بالاستثناء على البدل من الكاف والميم التي في " تقربكم " . النحاس : وهذا القول غلط ؛ لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل ، ولو جاز هذا لجاز : رأيتك زيدا . وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء . إلا أن الفراء لا يقول بدل لأنه ليس من لفظ الكوفيين ، ولكن قول يؤول إل ذلك ، وزعم أن مثله " إلا من أتى الله بقلب سليم " {[13058]} يكون منصوبا عنده ب " ينفع " . وأجاز الفراء أن يكون " من " في موضع رفع بمعنى : ما هو إلا من أمن ، كذا قال ، ولست أحصل معناه . " فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا " يعني قوله : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " {[13059]} [ الأنعام : 160 ] فالضعف الزيادة ، أي لهم جزاء التضعيف ، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول . وقيل : لهم جزاء الأضعاف ، فالضعف في معنى الجمع ، وإضافة الضعف إلى الجزاء كإضافة الشيء إلى نفسه ، نحو : حق اليقين ، وصلاة الأولى . أي لهم الجزاء المضعف ، للواحد عشرة إلى ما يريد الله من الزيادة .
وبهذه الآية استدل من فضل الغنى على الفقر . وقال محمد بن كعب : إن المؤمن إذا كان غنيا تقيا أتاه الله أجره مرتين بهذه الآية . قراءة العامة " جزاء الضعف " بالإضافة . وقرأ الزهري ويعقوب ونصر بن عاصم " جزاء " منونا منصوبا " الضعف " رفعا ، أي فأولئك لهم الضعف جزاء ، على التقديم والتأخير . " وجزاء الضعف " على أن يجازوا الضعف . و " جزاء الضعف " مرفوعان ، الضعف بدل من جزاء . وقرأ الجمهور " في الغرفات " على الجمع ، وهو اختيار أبى عبيد ؛ لقوله : " لنبوئنهم من الجنة غرفا " {[13060]} [ العنكبوت : 58 ] . الزمخشري : وقرئ " في الغرفات " بضم الراء وفتحها وسكونها . وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وخلف " في الغرفة " على التوحيد ؛ لقوله تعالى : " أولئك يجزون الغرفة " {[13061]} [ الفرقان : 75 ] . والغرفة قد يراد بها اسم الجمع واسم الجنس . قال ابن عباس : هي غرف من ياقوت وزبرجد ودر وقد مضى بيان ذلك{[13062]} . " آمنون " أي من العذاب والموت والأسقام والأحزان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.