تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

{ أفلم يروا على ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء . . . }

المفردات :

نخسف لهم الأرض : نغيبهم في بطنها .

كسفا : قطعا ، جمع كسفة .

منيب : راجع وتائب على الله تعالى .

التفسير :

يلفت القرآن الكريم نظرهم إلى آثار القدرة الإلهية التي رفعت السماء بدون أعمدة وزينتها بالنجوم وخلقت الفضاء والهواء والأنهار والبحار والأرض والجبال والليل والنهار والشمس والقمر والإنسان والحيوان والنبات وأمسكت بزمام هذا الكون تحفظه وترعاه وتمده بمقومات الحياة والتكامل .

فهلا نظروا نظر اعتبار على ما بين أيديهم من أخبار الأمم السابقة كقوم نوح وعاد وثمود ، الذين كذبوا فأهلكوا أو إلى ما بين أيديهم من السماء التي فوقهم والأرض التي تحتهم وهم محاطون من كل جانب بنعم الله التي تحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم وعن أيمانهم وشمائلهم فضلا عن أنهم جميعا لا يستطيعون أن يخرجوا من أقطار السماوات والأرض فالله قاهر لهم وهم جميعا في قبضته إن شاء خسف بهم الأرض بالزلازل والبراكين كما فعل بقارون .

قال تعالى : { فخسفنا به وبداره الأرض . . . } ( القصص : 81 ) .

{ أو نسقط عليهم كسفا من السماء . . . }

أو نسقط عليهم عذابا من السماء أو جزءا من الشهب أو الصواعق أو النوازل التي أهلكت أصحاب الأيكة .

قال تعالى : { فكذبوه فأخذهم عذاب يوم القيامة إنه كان عذاب يوم عظيم } . ( الشعراء : 189 ) .

{ إن في ذلك لآية . . . } .

إن هذه القدرة الإلهية التي تسيطر على هذا الكون وبيدها حفظ هذا النظام وتقليب الليل والنهار وإرسال العذاب من السماء أو الأرض فيها أبلغ الأدلة وأصدق الآيات الهادية على الإيمان .

{ لكل عبد منيب } .

رجاع إلى الله وإلى الإيمان به والاهتداء إلى شرائعه والإيمان برسله وباليوم الآخر .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

ولما كانوا قد أنكروا الساعة لقطعهم بأن من مزق كل ممزق لا يمكن إعادته ، فقطعوا جهلاً بأن الله تعالى لا يقول ذلك ، فنسبوا الصادق صلى الله عليه وسلم في الإخبار بذلك إلى أحد أمرين : تعمد الكذب أو الجنون . شرع سبحانه يدل على صدقه في جميع ما أخبر به ، فبدأ بإثبات قدرته على ذلك بما يشاهدون من قدرته على ما هو مثله ، أو أعظم منه مشيرا إلى أن إنكارهم لذلك مستند{[56424]} إلى ضلالهم بسبب غفلتهم عن تدبر الآيات ، فكان المعنى : ضلوا فلم يروا ، فدل عليه منكراً عليهم مهدداً لهم مقرراً لذوي العقول من السامعين بقوله : { أفلم يروا } ونبه على أنهم في محل بعد عن الإبصار النافع بحرف النهاية فقال : { إلى ما بين أيديهم } أي أمامهم { وما خلفهم } وذلك إشارة إلى جميع الجوانب من كل من الخافقين وأنهما{[56425]} قد أحاطا بهم كغيرهم . ولما لم تدع حاجة إلى الجمع أفرد فقال : { من السماء والأرض } أي اللذين جعلنا{[56426]} مطلع السورة أن لنا كل ما فيهما .

ولما كان الإنكار لائقاً{[56427]} بمقام العظمة ، فكان المعنى : إنا نفعل بهما وفيهما ما نشاء ، عبرعنه بقوله : { إن نشأ } بما لنا من العظمة - على قراءة الجمهور{[56428]} { نخسف } أي نغور { بهم } وأدغم الكسائي إلى أنه سبحانه قد يفعل ذلك في أسرع من اللمح بحيث يدرك لأكثر الناس وقد يفعله على وجه الوضوح وهو أكثر - بما أشارت إليه قراءة الإظهار للجمهور . ولما كان الخسف قد يكون لسطح أو سفينة ونحوهما ، خص الأمر بقوله{[56429]} : { الأرض } أي{[56430]} كما فعلنا بقارون وذويه{[56431]} لأنه ليس نفوذ بعض أفعالنا فيها بأولى من غيره{[56432]} { أو نسقط عليهم كسفاً } بفتح السين على قراءة حفص{[56433]} وبإسكانه على قراءة غيره أي قطعاً { من السماء } كذلك ليكون شديد الوقع لبعد الموقع المدى عن السحاب ونحوه{[56434]} لأن من المعلوم أنا نحن خلقناهما ، ومن أوجد شيئاً قدر على {[56435]}هذه وهذا{[56436]} ما أراد منه ، ومن جعل السياق للغيب - وهو{[56437]} حمزة والكسائي - رد الضمير على الاسم الأعظم الذي جعله مطلع السورة .

ولما كان هذا أمراً ظاهراً ، أنتج قوله مؤكداً لما لهم من إنكار البعث : { إن في ذلك } أي في{[56438]} قدرتنا على ما نشاء من كل منهما والتأمل في فنون تصاريفهما { لآية } أي علامة بينة على أنا نعامل من شئنا فيهما بالعدل بأي عذاب أردنا ، ومن شئنا بالفضل بأي ثواب أردنا ، وذلك دال على أنا قادرون على كل ما نشاء من الإماتة والإحياء وغيرهما ، فقد خسفنا بقارون وآله وبقوم لوط وأشياعهم ، وأسقطنا من السماء على أصحاب الأيكة يوم الظلة{[56439]} قطعاً من النار ، وعلى قوم لوط حجارة ، فأهلكناهم بذلك أجمعين{[56440]} . ولما كانت الآيات لا تنفع من طبع على العناد قال تعالى : { لكل عبد } أي متحقق أنه {[56441]}مربوب ضعيف{[56442]} مسخر لما يراد منه { منيب * } أي فيه قابلية الرجوع عما أبان له الدليل عن أنه زل فيه .


[56424]:من مد، وفي الأصل وظ وم: مستندا.
[56425]:في ظ: أنهم.
[56426]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: جعلناهما.
[56427]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لا يقام.
[56428]:راجع نثر المرجان 5/453.
[56429]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[56430]:سقط من ظ.
[56431]:من مد، وفي الأصل وظ وم: دريه.
[56432]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: غيرها.
[56433]:راجع نثر المرجان 5/454.
[56434]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[56435]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: هزه وهدم.
[56436]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: هزه وهدم.
[56437]:زيد في الأصل وم: قراءة، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[56438]:زيد من ظ وم ومد.
[56439]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الظلمة.
[56440]:ليس في ظ وم ومد.
[56441]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مدبوب متصف.
[56442]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مدبوب متصف.