تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ} (15)

المفردات :

وما ينظر هؤلاء ، وما ينتظرون .

فواق : الفواق : الوقت بين الحلبتين .

التفسير :

15- { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق } .

ما ينتظر هؤلاء المكذبون من أهل مكة ، إلا أن يصيح بهم الملك صيحة واحدة فيهلكوا جميعا ، ولا يُنتظر بهم سحابة نهار ، أو ظلام ليل ، أو مقدار فواق ناقة ، والفواق : ما بين الحلبتين ، حيث كانت تحلب الماشية في الصباح ، وفي المساء ، وما بينهما يسمى فواقا . {[572]} بفتح الفاء وضمها .

أو أن المراد بالصيحة : النفخة الثانية التي ينفخها إسرافيل في الصور : فيقوم الناس للحساب والجزاء والذهاب إلى الجنة أو النار .

قال تعالى : { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } . [ الزمر : 68 ] .

والمقصود من الآية : تأكيد جزائهم ، وتلقّيهم لما يستحقون ، وأن الصيحة سريعة الوقوع ، وأنها لن تتأخر عن وقتها ، وأنها صيحة واحدة فقط ، يتم بعدها كل شيء يتعلق بالبعث والجزاء .


[572]:يجوز في قوله تعالى: {ما لها من فواق} أن تكون ما نافية و{لها} يرفع فواق على الفاعلية لاعتمادها على النفي، أو أن تكون جملة من مبتدأ وخبر، وعلى التقديرين فالجملة المنفية صفة ل {لصيحة} و {من} مزيدة.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ} (15)

ولما كان التقدير : فلقد أعقبنا كلاًّ من أولئك الأحزاب لما حق عليهم العقاب بنوع من الأنواع لا شك فيه عند أحد ولا ارتياب ، عطف عليه قوله : { وما } ولما كانت قريش في شدة العناد والتصميم على الكفر والاستكبار عن الإذعان للحق وتعاطي جميع أسباب العذاب كأنهم ينتظرونه ويستعجلونه ، عبر بما يدل على الانتظار . ولما كانوا لمعرفتهم بصدق الآتي إليهم والقطع بصحة ما يقول كأنهم يرون العذاب ولا يرجعون ، جرد فعل الانتظار فقال : { ينظر } وحقرهم بقوله : { هؤلاء } أي الذين أدبروا عنك في عزة وشقاق ، وغاية جهدهم أن يكونوا من الأحزاب الذين تحزبوا على جندنا فأخذناهم بما هو مشهور من وقائعنا ومعروف من أيامنا بأصناف العذاب ، ولم تغن عنهم كثرتهم ولا قوتهم شيئاً ولم يضر جندنا ضعفهم ولا قلتهم { إلا صيحة } وحقر أمرهم بالإشارة إلى أن أقل شيء من عذابه كافٍ في إهلاكهم فقال { واحدة } ولما كان السياق للتهديد فعلم به أن الوصف بالوحدة للتعظيم ، بينه بقوله : { ما لها } أي الصيحة { من فواق * } أي مزيد أيّ شيء من جنسها يكون فوقها ، يقال : فاق أصحابه فوقاً وفواقاً ، علاهم ، وقرأه حمزة بالضم فيكون كناية عن سرعة الهلاك بها من غير تأخر أصلاً ، فإن الفواق كغراب ما يأخذ المحتضر عند النزاع ، والمعنى أنه لا يحتاج في إهلاكهم إلى زيادة على الصيحة الموصوفة لأنه لا صيحة فوقها ، ففي ذلك تعظيم أقل شيء من عذابه وتحقير أعلى شيء من أمرهم ويجوز أن تكون القرءاتان من فواق الحلب ، قال الصغاني : والفواق والفواق أي بالضم والفتح : ما بين الحلبتين من الوقت لأنها تحلب ثم تترك سريعة يرضعها الفصيل لتدر قال في القاموس : أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع ، فالمعنى : ما لها من رجوع كما يرجع اللبن في الضرع عن الفواق وكما يرجع المريض بالإفاقة من المرض إلى الصحة ، أو ما لها من انفصال وافتراق بقدر ما يتنفس فيه أحد أقل تنفس وأقصره زمناً كما هي عادة الأصوات المألوفة يكون فيها ترجيع يوجب في الصوت تقطعاً يصير به وقعه ضعيفاً فاتراً ، واعتماده على مخرجه رخواً ، بل هي صماء على نمط واحد لا تفجأ أحداً إلا مات إلا من ثبته الله تعالى ، ويجوز أن يكون من فواق المحتضر ، أي أنه ليس فيها مقدمة للموت غير قرع الصوت ، وهذا موافق لقولهم : ما لها من نظرة وراحة - والله أعلم .