تباب : خسران وهلاك ، ومنه : { تبت يدا أبي لهب وتب } . ( المسد : 1 ) أي : هلكت أو خسرت .
37- { أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب } .
أي لعلّي أصل إلى طرق السماء أو أبوابها ، فإذا وصلت إليها بحثت عن إله موسى .
" وهو لا يريد بذلك إلا التمويه والتخطيط والتلبيس على قومه ، فكأنه يقول لهم : لو كان إله موسى موجودا لكان له محلّ ، ومحله إمّا في الأرض وإما في السماء ، ولم نره في الأرض فينبغي أن يكون في السماء ، والسماء لا يتوصل إليها إلا بسلم " {[622]} .
وما عَلْمَ هذا الفرعون أن الله تعالى لا يحدّه مكان ، فالإله سبحانه ليس كمّا ولا كيفا وليس له طول أو عرض ، بل هو علة العلل ، وهو سر وجود الكون .
قال تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } . ( الشورى : 11 ) .
وبمثل هذه المغالطة : { زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب } .
لقد زين الشيطان لفرعون عمله الرديء في تكذيب الحق والمغالطة ، وخداع الجماهير حتى تظل تابعة له ، وقد سلبه الله الهدى : فعاش ضالا عن سبيل الحق ونور الإيمان .
وقد أحبط الله كيد فرعون ، وثَلَّ عرشه ، ومات غريقا في ماء النيل ، ونجّى الله جثته لتحنّط وتظل آية وعبرة لكل الظالمين .
{ أسباب السموات } أي طرقها وأبوابها ؛ جمع سبب وهو كل ما يتوصل به إلى الشيء . { فأطلع إلى إله موسى } فأنظر إليه . { وإني لأظنه كاذبا } في إثبات إله غيري . والمراد بالظن : اليقين ؛ لقوله في آية القصص : " ما علمت لكم من إله غيري " مريدا به نفى وجود إله غيره . وقد أسلفنا في تفسيرها : أن أمره ببناء الصرح ورجاءه الاطلاع على إله موسى من ضروب التهكم والسخرية بموسى عليه السلام .
{ وما كيد فرعون إلا في تباب } وما مكره واحتياله في إبطال آيات موسى إلا في خسران وهلاك . يقال : تب الله فلانا ، أي أهلكه . وتبت يداه : خسرتا . وتب الشيء : قطعه .
قوله تعالى : { أسباب السماوات } يعني : طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء { فأطلع إلى إله موسى } قراءة العامة برفع العين نسقاً على قوله : ( أبلغ الأسباب ) وقرأ حفص عن عاصم بنصب العين وهي قراءة حميد الأعرج ، على جواب ( لعل ) بالفاء ، { وإني لأظنه } يعني موسى { كاذباً } فيما يقول : أن له رباً غيري ، { وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل } قرأ أهل الكوفة ويعقوب : { وصد } بضم الصاد نسقاً على قوله : { زين لفرعون } قال ابن عباس : صده الله عن سبيل الهدى . وقرأ الآخرون بالفتح أي : صد فرعون الناس عن السبيل . { وما كيد فرعون إلا في تباب } يعني : وما كيده في إبطال آيات الله وآيات موسى إلا في خسار وهلاك .
ولما كان بلوغها أمراً عجيباً ، أورده على نمط مشوق عليه ليعطيه السامع حقه من الاهتمام تفخيماً لشأنها ، ليتشوف السامع إلى بيانها ، بقوله : { أسباب السماوات } أي الأمور الموصلة إليها ، وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه .
ولما ذكر هذا السبب ، ذكر المسبب عنه فقال : { فاطًّلع } أي فلعله يتسبب عن ذلك ويتعقبه أني أتكلف الطلوع { إلى إله موسى } فيكون كما ترى عطفاً على { أبلغ } ، ونصبه حفص عن عاصم على الجواب تنبيهاً على أن ما أبرزه الخبيث في عداد الممكن إنما هو تمني محال غير ممكن في العادة .
ولما كان من جملة إرادته بذلك مع إيقاف قومه إلى وقت ما عن المتابعة أن يخيلهم بأن يقول : طلعت فبحثت عما قال موسى فلم أقف له على صحة ، قدم لهم قوله مبيناً لحاله إذ ذاك لما ظن من ميل قلوبهم إلى تصديق موسى عليه السلام : { وإني لأظنه } أي موسى { كاذباً } فترك الكلام على احتمال أن يريد في الرسالة أو في الإلهية . ولما كان هذا أمراً عجيباً ، وهو كون أحد يظن أنه يخيل للعقول أنه يصعد إلى السماء ، وأن الإله الذي هو غني عن كل شيء وقد كان ولا شيء معه يكون في السماء ، أو في محل من المحال ، فإن كل حال في شيء يحتاج إلى محله ، وكل محتاج عاجز ولا يصلح العاجز للإلهية لو لم يجئ عن الله لما كان أهلاً لأن يصدق ، فكان التقدير : عمله فرعون لأنا زيناه له ، عطف عليه زيادة في التعجيب : { وكذلك } أي ومثل ذلك التزيين العظيم الشأن اللاعب بالألباب . ولما كان الضار هو التزيين لا المزين الخاص ، بناه للمفعول فقال : { زين } أي زين المزين النافذ الأمر ، وهو لله تعالى حقيقة بخلقه وإلزامه لأن كل ما دخل في الوجود من المحدثات فهو خلقه ، والشيطان مجازاً بالتسبب بالوسوسة التي هي خلق الله تعالى { لفرعون سوء عمله } في جميع أمره ، فاقبل عليه راغباً فيه مع بعده من عقل أقل ذوي العقول فضلاً عن ذوي الهمم منهم فضلاً عن الملوك ، وأطاعه فيه وقومه { وصُد } بنفسه ومنع غيره على قراءة الفتح ، ومنعه الله - على قراءة الكوفيين ويعقوب بالضم { عن السبيل } أي التي لا سبيل في الحقيقة غيرها ، وهو الموصلة إلى الله تعالى .
ولما كان هذا السياق بحيث يظن منه الظان أن لفرعون نوع تصرف ، نفى ذلك بقوله : { وما كيد } واعاد الاسم ولم يضمره لئلا يخص بحيثية من الحيثيات فقال : { فرعون } أي في إبطال أمر موسى عليه السلام { إلا في تباب * } أي خسار وهلاك عظيم محيط به لا يقدر على الخروج منه ، وما تعاطاه إلا لأنه محمول عليه ومقهور فيه ، كما كشف عنه الحال ، فدل ذلك قطعاً على أنه لو كان له أدنى تصرف يستقل به لما أنتج فعله الخسار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.