سورة يس مكية ، نزل في الفترة المتوسطة من حياة المسلمين بمكة ، أي فيما بين الهجرة على الحبشة والإسراء وآياتها 83 آية نزلت بعد سورة الجن .
وللسورة اسمان : سورة يس لافتتاحها بها وسورة حبيب النجار لاشتمالها على قصته فقد جاء في تفسير قوله تعالى : وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين . ( يس : 20 ) .
أن هذا الرجل يسمى " حبيب النجار " .
قال الفيروزبادي معظم مقصود سورة يس : تأكيد أمر القرآن والرسالة وإلزام الحجة على أهل الضلالة وضرب المثل بأهل قرية أنطاكية في قوله تعالى : واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذا جاءها المرسلون . ( يس : 13 ) .
وذكر قصة حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وبيان البراهين المختلفة في إحياء الأرض الميتة وإبداء الليل والنهار وسير الكواكب ودوران الأفلاك وجرى الجواري المنشآت في البحار وذلة الكفار عند الموت وحيرتهم ساعة البعث وسعادة المؤمنين المطيعين وشغلهم في الجنة وتميز المؤمن من الكافر في القيامة ، وشهادة الجوارح على أهل المعاصي بمعاصيهم والمنة على الرسول صلى الله عليه وسلم بصيانته من الشعر ونظمه وإقامة البرهان على البعث ونفاذ أمر الحق في كن فيكون وكمال ملك ذي الجلال على كل حال1 في قوله سبحانه : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون . ( يس : 83 ) .
سورة يس لها وقع خاص في نفوس المسلمين يرددون قراءتها في الصباح والمساء وتقرأعلى المريض للشفاء وعلى المحتضر لتيسير خروج الروح وعلى المقابر لتنزل الرحمة على الموتى وقد أخرج ابن حبان في صحيحه مرفوعا " من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر الله له " . 2
وتتميز سورة يس بقصر الآيات وسهولة القراءة وتتابع المشاهد وتنوعها من بدء السورة إلى نهايتها .
والموضوعات الرئيسية في السورة هي موضوعات السور المكية وهدفها الأول هو بناء أسس العقيدة فهي تتعرض لطبيعة الوحي والصدق الرسالة ، وتسوق قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة ، وتعرض هذه العاقبة في القصة على طريقة القرآن في استخدام القصص لتدعيم قضاياه وقرب نهاية السورة تعود على الموضوع ذاته فتوضح أن ما يوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم ليس شعرا ولكنه ذكر وقرآن مبين .
كذلك تتعرض السورة لقضية الألوهية والوحدانية فيجيء استنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ليعلن إيمانه بالمرسلين وهو يقول : ومالي لا اعبد الذي فطرني وإليه ترجعون . ( يس : 22 ) .
والقضية التي تشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث والنشور وهي تتردد في مواضع كثيرة من السورة تحكي السورة قصة أبي بن خلف حين جاء بعظم قد رم وبلى وصار ترابا ثم ضغط عليه بيديه ونفخ فيه فطار في الفضاء ثم قال : يا محمد تزعم أن ربك يبعث هذا بعدما رم وبلى وصار ترابا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم ويبعثك ويدخلك النار " قال تعالى : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم* قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم . ( يس : 78-79 ) .
والقضايا المتعلقة ببناء العقيدة تتكرر في السور المكية ولكنها تعرض كل مرة من زاوية معينة ، تحت ضوء معين مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها وتتناسق مع إيقاعها وصورها .
" وهذه المؤثرات متنوعة في هذه السورة من مشاهد القيامة- بصفة خاصة ومن مشاهد القصة ومواقفها وحوارها ومن مصارع الغابرين على مدار القرون ثم من المشاهد الكونية الكثيرة ، المتفرعة الموحية : مشهد الأرض الميتة تدب فيها الحياة ، ومشهد الليل يسلخ منه النهار فإذا هو ظلام ومشهد الشمس تجري لمستقر لها : ومشهد القمر يتدرج في منازله حتى يعود كالعرجون القديم ، ومشهد الفلك المشحون يحمل ذرية البشر الأولين ومشهد الأنعام مسخرة للآدميين ومشهد النطفة وتحولها في النهاية إلى إنسان فإذا هو خصيم مبين ومشهد الشجر الأخضر تكمن فيه النار التي يوقدون " . 3
يجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة فصول :
يستغرق الفصل الأول من السورة الآيات من ( 1-29 ) ويبدأ بالقسم بالحرفين " يا سين " وبالقرآن الحكيم على صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه على صراط مستقيم ثم يبين أن القرآن منزل من عند الله لإنذار العرب الذين لم ينذر آباؤهم من قبل ، فوقعوا فيما وقعوا فيه من الغفلة ، وحق العذاب على أكثرهم بسببها وقد جرت سنة الله ألا يعذب قوما إلا بعد أن يرسل إليهم من ينذرهم ثم وصف حرمانهم من الهداية وإمعانهم في الغواية كأنما وضعت أغلال في أعناقهم بلغت على أذقانهم ووضعت سدود بين أيديهم ومن خلفهم فصاروا لا يبصرون وبين أن الإنذار إنما ينفع من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فاستعد قلبه لاستقبال دلائل الهدى ، وموحيات الإيمان ثم يوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يضرب لهم مثلا أصحاب القرية .
ضرب الله لأهل مكة مثلا قصة أهل أنطاكية بالشام أرسل الله إليهم رسولين هما يوحنا وبولس من حواريي عيسى فكذبهما أهل القرية فأرسل الله ثالثا على درجة من الذكاء في توجيهه الدعوة ، واستمر التكذيب من الكافرين وبيان الحجة وأدلة الإيمان من المرسلين ثم جاء رجل مؤمن يسمى حبيب النجار فدعا قومه إلى الإيمان بالرسل فاتهموه بأنه مؤمن فأعلن إيمانه في ظروف حرجة ، وتعرض الرجل للإيذاء والقتل فحظي بالشهادة والجنة ، وتمنى لو أن قومه يعلمون منزلته الآن عند الله .
أما القرية الظالمة فقد صاح بها ملك صيحة أهلكتها أفلا يعتبر أهل مكة بهذه القرية وبالقرون التي هلكت جزاء كفرها وسيجتمع الجميع أمام الله يوم القيامة ويتميز المؤمنون بحسن الثواب ويحل بالكافرين سوء العقاب .
بعد الحديث في الدرس الأول عن المشركين الذي واجهوا دعوة الإسلام بالتكذيب والمثل الذي ضربه الله لهم في قصة أصحاب القرية المكذبين وما انتهى إليه أمرهم من الهلاك بصيحة الملاك فإذا هم خامدون تحدثت الآيات ( 30-68 ) عن موقف المكذبين بكل ملة ودين وعرضت صور البشرية الضالة على مدار القرون ثم أخذت في استعراض الآيات الكونية التي يمرون عليها معرضين غافلين وهي مبثوثة في أنفسهم وفيما حولهم .
فالماء الذي يحيي الأرض بأنواع الجنان والنخيل والأعناب والليل والنهار والشمس والقمر والنبات والإنسان وكل ما في الكون قد أبدع بنظام دقيق فللشمس مدارها وللقمر مساره ولليل وقته ، وللنهار أوانه لا يتأخر كوكب عن موعده ولا يختل نظام ولا تضطرب حركات الكون : وكل في فلك يسبحون . ( يس : 40 ) .
ثم تحدثت الآيات عن عناد المشركين واستعجالهم بالعذاب غير مصدقين : ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . ( يس : 48 ) .
وبمناسبة ذلك يستعرض مشهدا من مشاهد القيامة ، يرون فيه مصيرهم الذي به يستعجلون كأنه حاضر تراه العيون .
يشتمل الدرس الثالث على الآيات من 69 على آخر السور ويكاد هذا الفصل يلخص موضوعات السورة كلها فينفى في أوله أن جاءه به محمد صلى الله عليه وسلم شعر وينفى عن الرسول كل علاقة بالشعر أصلا ، ثم يعرض بعض المشاهد واللمسات الدالة على الألوهية المنفردة ، وينعى عليهم اتخاذ آلهة من دون الله يبتغون عندهم النصر وهم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة المدعاة ، ويتناول قضية البعث والنشور ، فيذكرهم بالنشأة الأولى من نطفة ، ليروا أن إحياء العظام وهي رميم كتلك النشأة ولا غرابة ويذكرهم بالشجر الأخضر الذي تكون فيه النار وهما في الظاهر بعيدان ، ويخلق السموات والأرض وهذا الخلق شاهد بالقدرة على خلق أمثالهم من البشر في الأولى والآخرة ، وفي ختام السورة نجد برهان القدرة الإلهية والإرادة الربانية فالله مالك كل شيء في الدنيا والآخرة وإليه المآب والمرجع قال تعالى : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون . ( يس : 82-83 ) .
{ يس( 1 ) والقرءان الحكيم( 2 ) إنك لمن المرسلين( 3 ) على صراط مستقيم ( 4 )تنزيل العزيز الرحيم( 5 ) لتنذر قوما ما أنذر ءاباؤهم فهم غافلون( 6 ) لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون( 7 ) إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون( 8 ) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون( 9 ) وسواء عليهم آنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون( 10 ) إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم( 11 ) إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وءاثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين( 12 ) }
يس : تقرا ( يا سين ) بعد السين وإظهار النون الساكنة أو بإدغام نون السين في الواو التي بعدها والمراد من هذه الحروف المقطعة : الاستفتاح والتنبيه مثل : ألا ويا والإشارة إلى أن القرآن مؤلف من حروف عربية تنطقون بها وقد عجزتم عن الإتيان بمثله فدل ذلك على أنه ليس من صنع بشر .
قال ابن عباس معناها يا إنسان والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم كما يشير إليه الخطاب بعده في قوله تعالى : إنك لمن المرسلين .
وقيل : إن يس اسم من أسمائه صلى الله عليه وسلم فاسمه طه واسمه محمد وأحمد ومزمل ومدثر وبشير ونذير واسمه العاقب الذي لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
مكية في قول الجميع، إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا إلا آية منها وهي قوله: {وإذا قيل لهم أنفقوا} الآية...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
السورة مكية بإجماع، إلا أن فرقة قالت إن قوله "ونكتب ما قدموا وآثارهم "[يس: 12] نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم (دياركم تكتب آثاركم) وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعروا المدينة، وعلى هذا فالآية مدنية وليس الأمر كذلك؛ وإنما نزلت الآية بمكة، ولكنه احتج بها عليهم في المدينة، ووافقها قول النبي صلى الله عليه وسلم في المعنى فمن هنا قيل ذلك.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذه السورة المكية ذات فواصل قصيرة. وإيقاعات سريعة. ومن ثم جاء عدد آياتها ثلاثاً وثمانين، بينما هي أصغر وأقصر من سابقتها -سورة فاطر- وعدد آياتها خمس وأربعون.
وقصر الفواصل مع سرعة الإيقاع يطبع السورة بطابع خاص، فتتلاحق إيقاعاتها، وتدق على الحس دقات متوالية، يعمل على مضاعفة أثرها ما تحمله معها من الصور والظلال التي تخلعها المشاهد المتتابعة من بدء السورة إلى نهايتها. وهي متنوعة وموحية وعميقة الآثار.
والموضوعات الرئيسية للسورة هي موضوعات السور المكية. وهدفها الأول هو بناء أسس العقيدة. فهي تتعرض لطبيعة الوحي وصدق الرسالة منذ افتتاحها: (يس. والقرآن الحكيم. إنك لمن المرسلين. على صراط مستقيم. تنزيل العزيز الرحيم...). وتسوق قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة؛ وتعرض هذه العاقبة في القصة على طريقة القرآن في استخدام القصص لتدعيم قضاياه. وقرب نهاية السورة تعود إلى الموضوع ذاته: (وما علمناه الشعر -وما ينبغي له- إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين)..
كذلك تتعرض السورة لقضية الألوهية والوحدانية. فيجيء استنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ليحاج قومه في شأن المرسلين وهو يقول: وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون؟ أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون؟ إني إذاً لفي ضلال مبين.. وقرب ختام السورة يجيء ذكر هذا الموضوع مرة أخرى: (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون)..
والقضية التي يشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث والنشور، وهي تتردد في مواضع كثيرة في السورة. تجيء في أولها: (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين).. وتأتي في قصة أصحاب القرية، فيما وقع للرجل المؤمن. وقد كان جزاؤها العاجل في السياق: (قيل: ادخل الجنة. قال: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين).. ثم ترد في وسط السورة: (ويقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون).. ثم يستطرد السياق إلى مشهد كامل من مشاهد القيامة. وفي نهاية السورة ترد هذه القضية في صورة حوار (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه. قال: من يحيي العظام وهي رميم؟ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم..
هذه القضايا المتعلقة ببناء العقيدة من أساسها، تتكرر في السور المكية. ولكنها تعرض في كل مرة من زاوية معينة، تحت ضوء معين، مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها، وتتناسق مع إيقاعها وصورها وظلالها.
هذه المؤثرات منتزعة في هذه السورة من مشاهد القيامة -بصفة خاصة- ومن مشاهد القصة ومواقفها وحوارها. ومن مصارع الغابرين على مدار القرون. ثم من المشاهد الكونية الكثيرة المتنوعة الموحية: مشهد الأرض الميتة تدب فيها الحياة. ومشهد الليل يسلخ منه النهار فإذا هو ظلام. ومشهد الشمس تجري لمستقر لها. ومشهد القمر يتدرج في منازله حتى يعود كالعرجون القديم. ومشهد الفلك المشحون يحمل ذرية البشر الأولين. ومشهد الأنعام مسخّرة للآدميين. ومشهد النطفة ثم مشهدها إنساناً وهو خصيم مبين! ومشهد الشجر الأخضر تكمن فيه النار التي يوقدون!
وإلى جوار هذه المشاهد مؤثرات أخرى تلمس الوجدان الإنساني وتوقظه: منها صورة المكذبين الذين حقت عليهم كلمة الله بكفرهم فلم تعد تنفعهم الآيات والنذر: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون؛ وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون). ومنها صورة نفوسهم في سرهم وفي علانيتهم مكشوفة لعلم الله لا يداريها منه ستار.. ومنها تصوير وسيلة الخلق بكلمة لا تزيد: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن. فيكون).. وكلها مؤثرات تلمس القلب البشري وهو يرى مصداقها في واقع الوجود.
ويجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة أشواط:
يبدأ الشوط الأول بالقسم بالحرفين: يا. سين وبالقرآن الحكيم، على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه على صراط مستقيم. يتلو ذلك الكشف عن النهاية البائسة للغافلين الذين يكذبون. وهي حكم الله عليهم بألا يجدوا إلى الهداية سبيلاً، وأن يحال بينهم وبينها أبداً. وبيان أن الإنذار إنما ينفع من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب؛ فاستعد قلبه لاستقبال دلائل الهدى وموحيات الإيمان.. ثم يوجه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى أن يضرب لهم مثلاً أصحاب القرية، فيقص قصة التكذيب وعاقبة المكذبين. كما يعرض طبيعة الإيمان في قلب الرجل المؤمن وعاقبة الإيمان والتصديق..
ومن ثم يبدأ الشوط الثاني بنداء الحسرة على العباد الذين ما يفتأون يكذبون كل رسول ويستهزئون به. غير معتبرين بمصارع المكذبين، ولا متيقظين لآيات الله في الكون وهي كثير.. وهنا يعرض تلك المشاهد الكونية التي سبقت الإشارة إليها في تقديم السورة، كما يعرض مشهداً مطولاً من مشاهد القيامة فيه الكثير من التفصيل.
والشوط الثالث يكاد يلخص موضوعات السورة كلها. فينفي في أوله أن ما جاء به محمد [صلى الله عليه وسلم] شعر، وينفي عن الرسول كل علاقة بالشعر أصلاً. ثم يعرض بعض المشاهد واللمسات الدالة على الألوهية المتفردة، وينعى عليهم اتخاذ آلهة من دون الله يبتغون عندهم النصر وهم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة المدعاة!. ويتناول قضية البعث والنشور فيذكرهم بالنشأة الأولى من نطفة ليروا أن إحياء العظام وهي رميم كتلك النشأة ولا غرابة! ويذكرهم بالشجر الأخضر الذي تكمن فيه النار وهما في الظاهر بعيد من بعيد! وبخلق السماوات والأرض وهو شاهد بالقدرة على خلق أمثالهم من البشر في الأولى والآخرة.. وأخيراً يجيء الإيقاع الأخير في السورة: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن. فيكون. فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون).
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
سميت هذه السورة يس بمسمى الحرفين الواقعين في أولها في رسم المصحف لأنها انفردت بها فكانا مميزين لها عن بقية السور، فصار منطوقهما علما عليها. وكذلك ورد اسمها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى أبو داود عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا يس على موتاكم. وبهذا الاسم عنون البخاري والترمذي في كتابي التفسير.
التحدي بإعجاز القرآن بالحروف المقطعة، وبالقسم بالقرآن تنويها به، وأدمج وصفه بالحكيم إشارة إلى بلوغه أعلى درجات الإحكام. والمقصود من ذلك تحقيق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتفضيل الدين الذي جاء به في كتاب منزل من الله لإبلاغ الأمة الغاية السامية وهي استقامة أمورها في الدنيا والفوز في الحياة الأبدية، فلذلك وصف الدين بالصراط المستقيم كما تقدم في سورة الفاتحة.
وأن القرآن داع لإنقاذ العرب الذين لم يسبق مجيء رسول إليهم، لأن عدم سبق الإرسال إليهم لنفوسهم لقبول الدين إذ ليس فيها شاغل سبق يعز عليهم فراقه أو يكتفون بما فيه من هدى.
ووصف إعراض أكثرهم عن تلقي الإسلام، وتمثيل حالهم الشنيعة، وحرمانهم من الانتفاع بهدي الإسلام وأن الذين اتبعوا دين الإسلام هم أهل الخشية وهو الدين الموصوف بالصراط المستقيم.
وضرب المثل لفريقي المتبعين والمعرضين من أهل القرى بما سبق من حال أهل القرية الذين شابه تكذيبهم الرسل تكذيب قريش.
وكيف كان جزاء المعرضين من أهلها في الدنيا وجزاء المتبعين في درجات الآخرة.
ثم ضرب المثل بالأعم وهم القرون الذين كذبوا فأهلكوا.
والرثاء لحال الناس في إضاعة أسباب الفوز كيف يسرعون إلى تكذيب الرسل.
وتخلص إلى الاستدلال على تقريب البعث وإثباته بالاستقلال تارة وبالاستطراد أخرى.
مدمجا في آياته الامتنان بالنعمة التي تتضمنها تلك الآيات.
ورامزا إلى دلالة تلك الآيات والنعم على تفرد خالقها ومنعمها بالوحدانية إيقاظا لهم.
ثم تذكيرهم بأعظم حادثة حدثت على المكذبين للرسل والمتمسكين بالأصنام من الذين أرسل إليهم نوح نذيرا، فهلك من كذب، ونجا من آمن.
ثم سيقت دلائل التوحيد المشوبة بالامتنان للتذكير بواجب الشكر على النعم بالتقوى والإحسان وترقب الجزاء.
والإقلاع عن الشرك والاستهزاء بالرسول واستعجال وعيد العذاب.
وحذروا من حلوله بغتة حين يفوت التدارك.
وذكروا بما عهد الله إليهم مما أودعه في الفطرة من الفطنة.
والاستدلال على عداوة الشيطان للإنسان.
ثم رد العجز على الصدر فعاد إلى تنزيه القرآن عن أن يكون مفترى صادرا من شاعر بتخيلات الشعراء.
وسلى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يحزنه قولهم وأن لهم بالله أسوة إذ خلقهم فعطلوا قدرته عن إيجادهم مرة ثانية ولكنهم راجعون إليه.
فقامت السورة على تقرير أمهات أصول الدين على أبلغ وجه وأتمه من إثبات الرسالة، ومعجزة القرآن، وما يعتبر في صفات الأنبياء وإثبات القدر، وعلم الله، الحشر، والتوحيد، وشكر المنعم، وهذه أصول الطاعة بالاعتقاد والعمل، ومنها تتفرع الشريعة. وإثبات الجزاء على الخير والشر مع إدماج الأدلة من الآفاق والأنفس بتفنن عجيب، فكانت هذه السورة جديرة بأن تسمى « قلب القرآن» لأن من تقاسيمها تتشعب شرايين القرآن كله، وإلى وتينها ينصب مجراها.
قال الغزالي: إن ذلك لأن الإيمان صحته باعتراف بالحشر، والحشر مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، كما سميت الفاتحة أم القرآن إذ كانت جامعة لأصول التدبر في أفانيه كما تكون أم الرأس ملاك التدبر في أمور الجسد.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هذه السورة من السور المكّية، لذا فهي من حيث النظرة الإجمالية لها نفس المحتوى العام للسور المكّية، فهي تتحدّث عن التوحيد والمعاد والوحي والقرآن والإنذار والبشارة، ويلاحظ في هذه السورة أربعة أقسام رئيسيّة:
تتحدّث السورة أوّلا عن رسالة النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن المجيد والهدف من نزول ذلك الكتاب السماوي العظيم وعن المؤمنين به، وتستمر بذلك حتّى آخر الآية الحادية عشرة.
قسم آخر من هذه السورة يتحدّث عن رسالة ثلاثة من أنبياء الله، وكيف كانت دعوتهم للتوحيد، وجهادهم المتواصل المرير ضدّ الشرك، وهذا في الحقيقة نوع من التسلية والمواساة لرسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوضيح الطريق أمامه لتبليغ رسالته الكبرى.
قسم آخر منها، والذي يبدأ من الآية 33 وحتّى الآية 44، مملوء بالنكات التوحيدية الملفتة للنظر، وهو عرض معبّر عن الآيات والدلائل المشيرة إلى عظمة الله في عالم الوجود، كذلك فإنّ أواخر السورة أيضاً تعود إلى نفس هذا البحث التوحيدي والآيات الإلهية.
قسم مهمّ آخر من هذه السورة، يتحدّث حول المواضيع المرتبطة بالمعاد والأدلّة المختلفة عليه، وكيفية الحشر والنشر، والسؤال والجواب في يوم القيامة، ونهاية الدنيا، ثمّ الجنّة والنار، وهذا القسم يتضمّن مطالب مهمّة ودقيقة جدّاً.
وخلال هذه البحوث الأربعة ترد آيات محرّكة ومحفّزة لأجل تنبيه وإنذار الغافلين والجهّال، لها الأثر القوي في القلوب والنفوس.
الخلاصة، أنّ الإنسان يواجه في هذه السورة بمشاهد مختلفة من الخلق والقيامة، الحياة والموت، الإنذار والبشارة، بحيث تشكّل بمجموعها نسخة الشفاء ومجموعة موقظة من الغفلة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"يس"؛ فقال بعضهم: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله.
وقال آخرون: هو مفتاح كلام افتتح الله به كلامه...
وقال آخرون: بل هو اسم من أسماء القرآن...
وقد بيّنا القول فيما مضى في نظائر ذلك من حروف الهجاء بما أغنى عن إعادته وتكريره في هذا الموضع.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
عن معاذ بن جبل وكعب رضي الله عنهما أنهما قالا: {يس} قسم، أقسم الله به، يا محمد.
دل أن الخطاب به على إثر قوله: {يس} على أنه هو المراد بقوله: {يس} إذ لا يستقيم الخطاب بقوله: {إنك لمن المرسلين} إلا على سبق خطاب له وذكر اسم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يس} إن كان المعنى: يا إنسان، فهو قلب الموجودات المخلوقات كلها وخالصها وسرها ولبابها، وإن أريد: يا سيد، فهو خلاصة من سادهم.
وإن أريد: يا رجل، فهو خلاصة البشر، وإن أريد: يا محمد، فهو خالصة الرجال الذين هم لباب البشر...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
القول فيه كالقول في الحروف المقَطَّعة الواقعة في أوائل السور، ومن جملتها أنه اسم من أسماء الله تعالى، رواه أشهب عن مالك قاله ابن العربي، وفيه عن ابن عباس أنه: يا إنسان، بلسان الحبشة. وعنه أنها كذلك بلغة طيء، ولا أحسب هذا يصح عنه لأن كتابتها في المصاحف على حرفين تنافي ذلك.
ومن الناس من يدعي أن يس من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.
ولعله أخذه من قوله تعالى في سورة الصافات (130) {سلام على آل ياسين} فقد قيل إنه يعني آل محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن الناس من قال: إن يس اختزال: يا سيد، خطابا للنبيء صلى الله عليه وسلم ويوهنه نطق القراء بها بنون.
ومن الناس من يسمّي ابنه بهذه الكلمة وهو كثير في البلاد المصرية والشامية...
وهي مكية بإجماع . وهي ثلاث وثمانون آية ، إلا أن فرقة قالت : إن قوله تعالى " ونكتب ما قدموا وآثارهم " [ يس : 12 ] نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم ، وينتقلوا إلى جوار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، على ما يأتي . وفي كتاب أبي داود عن معقل بن يسار قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اقرؤوا يس على موتاكم ) . وذكر الآجري من حديث أم الدرداء{[1]} عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إلا هون الله عليه ) . وفي مسند الدارمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ سورة يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة ) خرجه أبو نعيم الحافظ أيضا . وروى الترمذي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس ، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات ) قال : هذا حديث غريب ، وفي إسناده هارون أبو محمد شيخ مجهول . وفي الباب عن أبي بكر الصديق ، ولا يصح حديث أبي بكر من قبل إسناده ، وإسناده ضعيف . وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن في القرآن لسورة تشفع لقرائها ويغفر لمستمعها ألا وهي سورة يس تدعى في التوراة المعمة ) قيل : يا رسول الله وما المعمة ؟ قال : تعم صاحبها بخير الدنيا وتدفع عنه أهاويل الآخرة ، وتدعى الدافعة والقاضية قيل : يا رسول الله وكيف ذلك ؟ قال : تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة ومن قرأها عدلت له عشرين حجة ، ومن سمعها كانت له كألف دينار تصدق بها في سبيل الله ، ومن كتبها وشربها أدخلت جوفه ألف دواء وألف نور وألف يقين وألف رحمة وألف رأفة وألف هدى ونزع عنه كل داء وغل ) . ذكره الثعلبي من حديث عائشة ، والترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه مسندا . وفي مسند الدارمي عن شهر بن حوشب قال : قال ابن عباس : من قرأ " يس " حين يصبح أعطي يسر يومه حتى يمسي ، ومن قرأها في صدر ليلته أعطي يسر ليلته حتى يصبح . وذكر النحاس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لكل شيء قلب وقلب القرآن يس من قرأها نهارا كفي همه ومن قرأها ليلا غفر ذنبه . وقال شهر بن حوشب : يقرأ أهل الجنة " طه " و " يس " فقط .
رفع هذه الأخبار الثلاثة الماوردي فقال : روى الضحاك عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل شيء قلبا وإن قلب القرآن يس ، ومن قرأها في ليلة أعطي يسر تلك الليلة ، ومن قرأها في يوم أعطي يسر ذلك اليوم ، وإن أهل الجنة يرفع عنهم القرآن فلا يقرؤون شيئا إلا طه ويس ) . وقال يحيى بن أبي كثير : بلغني أن من قرأ سورة " يس " ليلا لم يزل في فرح حتى يصبح ، ومن قرأها حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي . وقد حدثني من جربها . ذكره الثعلبي وابن عطية . قال ابن عطية : ويصدق ذلك التجربة . وذكر الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن الصلت عن عمر بن ثابت عن محمد بن مروان عن أبي جعفر قال : من وجد في قلبه قساوة فليكتب " يس " في جام بزعفران ثم يشربه . حدثني أبي رحمه الله قال : حدثنا أصرم بن حوشب ، عن بقية بن الوليد ، عن المعتمر بن أشرف ، عن محمد بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( القرآن أفضل من كل شيء دون الله وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ، فمن وقر القرآن فقد وقر الله ، ومن لم يوقر القرآن لم يوقر الله ، وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده . القرآن شافع مشفع وماحل{[2]} مصدق فمن شفع له القرآن شفع ، ومن محل به القرآن صُدق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار . وحملة القرآن هم المحفوفون بحرمة الله الملبسون نور الله المعلمون كلام الله من والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى الله ، يقول الله تعالى : يا حملة القرآن استجيبوا لربكم بتوقير كتابه يزدكم حبا ويحببكم إلى عباده يدفع عن مستمع القرآن بلوى الدنيا ويدفع عن تالي{[3]} القرآن بلوى الآخرة ، ومن استمع آية من كتاب الله كان له أفضل مما تحت العرش إلى التخوم ، وإن في كتاب الله لسورة تدعى العزيزة ويدعى صاحبها الشريف يوم القيامة تشفع لصاحبها في أكثر من ربيعة ومضر وهي سورة يس ) . وذكر الثعلبي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قرأ سورة يس ليلة الجمعة أصبح مغفورا له ) . وعن أنس أن رسول الله صلى قال : ( من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد حروفها حسنات ) .
قوله تعالى : " يس " في " يس " أوجه من القراءات : قرأ أهل المدينة والكسائي " يس والقرآن الحكيم " بإدغام النون في الواو . وقرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة " يس " بإظهار النون . وقرأ عيسى بن عمر " يسن " بنصب النون . وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم " يسن " بالكسر . وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السميقع " يسن " بضم النون ، فهذه خمس قراءات . القراءة الأولى بالإدغام على ما يجب في العربية ؛ لأن النون تدغم في الواو . ومن بين قال : سبيل حروف الهجاء أن يوقف عليها ، وإنما يكون الإدغام في الإدراج . وذكر سيبويه النصب وجعله من جهتين : إحداهما أن يكون مفعولا ولا يصرفه ؛ لأنه عنده اسم أعجمي بمنزلة هابيل ، والتقدير أذكر يسين . وجعله سيبويه اسما للسورة . وقوله الآخر أن يكون مبنيا على الفتح مثل كيف وأين . وأما الكسر فزعم الفراء أنه مشبه بقول العرب جير لا أفعل ، فعلى هذا يكون " يسن " قسما . وقاله ابن عباس . وقيل : مشبه بأمس وحذام وهؤلاء ورقاش . وأما الضم فمشبه بمنذ وحيث وقط ، وبالمنادى المفرد إذا قلت يا رجل ، لمن يقف عليه . قال ابن السميقع وهارون : وقد جاء في تفسيرها رجل فالأولى بها الضم . قال ابن الأنباري " " يس " وقف حسن لمن قال هو افتتاح للسورة . ومن قال : معنى " يس " يا رجل لم يقف عليه . وروي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن معناه يا إنسان ، وقالوا في قوله تعالى : " سلام على إل ياسين " [ الصافات : 130 ] أي على آل محمد . وقال سعيد بن جبير : هو اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم ، ودليله " إنك لمن المرسلين " . قال السيد الحميري :
يا نفس لا تمَحضِي بالنصح جاهدةً *** على المودة إلا آلَ ياسينَ
وقال أبو بكر الوراق : معناه يا سيد البشر . وقيل : إنه اسم من أسماء الله ؛ قال مالك . روى عنه أشهب قال : سألته هل ينبغي لأحد أن يتسمى بياسين ؟ قال : ما أراه ينبغي لقول الله : " يس والقرآن الحكيم " يقول هذا اسمي يس . قال ابن العربي هذا كلام بديع ، وذلك أن العبد يجوز له أن يتسمى باسم الرب إذا كان فيه معنى منه . كقوله : عالم وقادر ومريد ومتكلم . وإنما منع مالك من التسمية ب " يسين " ؛ لأنه اسم من أسماء الله لا يدرى معناه ، فربما كان معناه ينفرد به الرب فلا يجوز أن يقدم عليه العبد . فإن قيل فقد قال الله تعالى : " سلام على إل ياسين " [ الصافات : 130 ] قلنا : ذلك مكتوب بهجاء فتجوز التسمية به ، وهذا الذي ليس بمتهجى هو الذي تكلم مالك عليه ؛ لما فيه من الإشكال . والله أعلم . وقال بعض العلماء : افتتح الله هذه السورة بالياء والسين وفيهما مجمع الخير : ودل المفتتح على أنه قلب ، والقلب أمير على الجسد ، وكذلك " يس " أمير على سائر السور ، مشتمل على جميع القرآن . ثم اختلفوا فيه أيضا . فقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو بلغة الحبشة . وقال الشعبي : هو بلغة طي . الحسن : بلغة كلب . الكلبي : هو بالسريانية فتكلمت به العرب فصار من لغتهم . وقد مضى هذا المعنى في " طه " {[13186]} وفي مقدمة الكتاب مستوفى . وقد سرد القاضي عياض أقوال المفسرين في معنى " يس " فحكى أبو محمد مكي أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لي عند ربي عشرة أسماء ) ذكر أن منها طه ويس اسمان له . قلت : وذكر الماوردي عن علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله تعالى أسماني في القرآن سبعة أسماء محمد وأحمد وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد الله ) قاله القاضي . وحكى أبو عبدالرحمن السلمي عن جعفر الصادق أنه أراد يا سيد ، مخاطبة لنبيه صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس : " يس " يا إنسان أراد محمدا صلى الله عليه وسلم . وقال : هو قسم وهو من أسماء الله سبحانه . وقال الزجاج : قيل معناه يا محمد وقيل يا رجل وقيل يا إنسان . وعن ابن الحنفية : " يس " يا محمد . وعن كعب : " يس " قسم أقسم الله به قبل أن يخلق السماء والأرض بألفي عام قال{[13187]} يا محمد : " إنك لمن المرسلين " ثم قال : " والقرآن الحكيم " . فإن قدر أنه من أسمائه صلى الله عليه وسلم ، وصح فيه أنه قسم كان فيه من التعظيم ما تقدم ، مؤكد فيه القسم عطف القسم الآخر عليه . وإن كان بمعنى النداء فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته . أقسم الله تعالى باسمه وكتابه أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده ، وعلى صراط مستقيم من إيمانه ، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق . قال النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ، وفيه من تعظيمه وتمجيده على تأويل من قال إنه يا سيد ما فيه ، وقد قال عليه السلام : ( أنا سيد ولد آدم ) انتهى كلامه . وحكى القشيري قال ابن عباس : قالت كفار قريش لست مرسلا وما أرسلك الله إلينا ، فأقسم الله بالقرآن المحكم أن محمدا من المرسلين . " الحكيم " المحكم حتى لا يتعرض لبطلان وتناقض ؛ كما قال : " أحكمت آياته " [ هود : 1 ] . وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فلا يلحقه خلل . وقد يكون " الحكيم " في حق الله بمعنى المحكم بكسر الكاف كالأليم بمعنى المؤلم .