لولا : كلمة تفيد الحث على حصول ما بعدها ، أي هلا أنزلت سورة في أمر الجهاد .
محكمة : بينة واضحة لا احتمال فيها لشيء آخر .
المغشي عليه من الموت : من حضرته أعراض الموت وغشيته .
أولى لهم : ويل لهم ، كما قال تعالى : { أولى لك فأولى } . ( القيامة : 34 ) .
20- { وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ } .
يتشوق المؤمنون إلى نزول آيات من كتاب الله ليتسابقوا إلى العمل بما فيها من تكاليف أو جهاد ، ويقولون : هلا أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة جديدة ، لنستمع إلى وحي السماء ، وننفذ أوامر ربنا إذا طلب منا الجهاد ، فإذا أنزل الله سورة محكمة ، واضحة في أوامرها ، لا تحتمل وجها آخر ، بل هي صريحة في طلب الجهاد ، فإن المنافقين يعتريهم الخوف والخور ، والجبن والتردد ، وينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، { نظر المغشي عليه من الموت . . . } وهو الذي نزل الموت بساحته ، فأبلس واضطرب ، وأغمي عليه من الخوف والجبن .
{ فأولى لهم } . أي : فالويل والهلاك لهم ، كما قال سبحانه وتعالى : { أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى } . ( القيامة : 34 ، 35 ) . أي : هلاكا وسعيرا لك .
{ فأولى لهم } . أي : أفضل لهم وأولى بهم أن يطيعوا الله ورسوله ، وأن يقولوا : طاعة وقول معروف .
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ( 77 ) } . ( النساء : 77 ) .
لولا نُزّلت سورة : هلاّ أنزلت سورة . محكمة : بينة ، واضحة . في قلوبهم مرض : شك ونفاق . نظر المغشيّ عليه من الموت : كالجبان الذي يخاف من كل شيء . أولَى لهم : ويل لهم . عزم الأمرُ : جد ولزم . إن توليتم : صرتم حكاما وتوليتم أمور الناس .
إن المؤمنين المخلصين يقولون : هلاّ أنزِلتْ سورةٌ تدعونا إلى القتال ، فإذا أنزلت سورةٌ مُحكَمة تأمر به ، رأيتَ يا محمد الذين في قلوبهم نفاق ينظرون إليكَ بهلَع وخوفٍ كأن الموت يغشاهم ، خوفا من القتال وكرها له .
قوله تعالى : { ويقول الذين آمنوا } حرصاً مهم على الجهاد : { لولا نزلت سورة } تأمرنا بالجهاد ، { فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال } قال قتادة : وكل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة ، وهي أشد القرآن على المنافقين ، { رأيت الذين في قلوبهم مرض } يعني المنافقين ، { ينظرون إليك } شزراً بتحديق شديد ، كراهية منهم للجهاد وجنباً عن لقاء العدو ، { نظر المغشي عليه من الموت } كما ينظر الشاخص بصره عند الموت ، { فأولى لهم } وعيد وتهديد ، ومعنى قولهم في التهديد : أولى لك أي : وليك وقاربك ما تكره .
ولما كان دليل على إحاطة العلم ، علم ما أبطنه الإنسان ولا سيما إن كان مخالفاً لما أظهره ، قال دالاً على إحاطة علمه بإظهار أسرار المنافقين عاطفاً على { ومنهم من يستمع إليك } : { ويقول } على سبيل التجديد المستمر { الذين آمنوا } أي ادعوا ذلك بألسنتهم وفيهم{[59675]} الصادق والمنافق دالين على صدقهم في{[59676]} إيمانهم بالتحريض على طلب الخير بتجدد الوحي الذي هو الروح الحقيقي : { لولا نزلت } على سبيل التدريج ، وبناه للمفعول دلالة على إظهارهم أنهم صاروا في صدقهم في الإيمان{[59677]} واعتقادهم أن التنزيل لا يكون إلا من الله بحيث{[59678]} لا يحتاجون إلى التصريح به { سورة } {[59679]}أي سورة كانت لنسر بسماعها ونتعبد بتلاوتها ونعمل بما فيها كائناً ما كان ، ويستمر الوحي فينا متجدداً مع تجدد الزمان ليكون ذلك أنشط لنا وأدخل في تحريك عزائمنا { فإذا أنزلت سورة } أي قطعة{[59680]} من القرآن تكامل نزولها كلها-{[59681]} تدريجاً أو جملة ، وزادت على مطلوبهم بالحس{[59682]} بأنها { محكمة } أي مبينة لا-{[59683]} يلبس شيء منها بنوع إجمال ولا ينسخ لكونه جامعاً للمحاسن في كل-{[59684]} زمان ومكان { وذكر فيها القتال } {[59685]}بأيّ ذكر كان ، والواقع أنه{[59686]} لا يكون إلا ذكراً مبيناً أنه-{[59687]} لا يزداد إلا وجوباً وتأكداً حتى تضع الحرب أوزارها ، قال البغوي{[59688]} : وكل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين . وهو مروي عن قتادة { رأيت } أي-{[59689]} بالعين والقلب { الذين في قلوبهم مرض } أي ضعف في الدين أو نفاق من الذين أقروا بالإيمان وطلبوا تنزيل القرآن وكانوا قد أقسموا بالله جهد أيمانهم : لئن أمرتهم ليخرجن { ينظرون إليك } كراهة لما نزل عليك بعد أن حرضوا على طلبه { نظر المغشي عليه } ولما كان للغشي أسباب ، بين أن هذا أشدها فقال تعالى : { من الموت } الذي هو نهاية{[59690]} الغشي فهو لا يطرف بعينه بل هو شاخص لا يطرف كراهة للقتال من الجبن والخور .
ولما كان هذا أمراً منابذاً{[59691]} للإنسانية لأنه مباعد{[59692]} للدين والمروءة ، سبب عنه أعلى التهديد فقال متوعداً لهم بصورة الدعاء بأن يليهم{[59693]} المكروه : { فأولى } أي أشد{[59694]} ميل وويل وانتكاس وعثار{[59695]} موضع لهم في الهلكة كائن { لهم * } أي خاص بهم ، وفسرته بذلك لما تقدم في آخر الأنفال من أن مادة " ولى " تدور على الميل ، فإذا{[59696]} كانت على صيغة أفعل التفضيل - وهو قول الأكثر - جاءت الشدة ، قال الأصمعي : إنه{[59697]} فعل ماضٍ أي قاربهم ما يهلكهم{[59698]} وأولاهم الله الهلاك ، وقال الرضي في باب المعرفة والنكرة : إنه علم للوعيد وفيه وزن الفعل{[59699]} فلذا منع من الصرف ، وليس بأفعل تفضيل ولا أفعل فعلاً ولا اسم فعل لأن أبا زيد حكى لحاق تاء التأنيث له فقالوا : أولاة الآن - كأرملة{[59700]} وهو من وله الشر أي قرنه حال ، وقبوله للتاء لا يضر الوزن ، لأن ذلك في{[59701]} علم آخر .