تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

المفردات :

حافين : محيطين محدقين .

وقضى بينهم : فصل بين الخلائق .

التفسير :

75- { وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين } .

بعد أن دخل أهل النار جهنم ، ودخل الأتقياء الجنة ، كان ختام السورة دالاّ على عظمة ذي الجلال والإكرام ، فالملائكة تحف بالعرش وتحدق به ، وتحيط به من كل جانب ، يسبحون بحمد الله ، ويعظمونه ويقدسونه وينزهونه عن النقائص ، وقد حُكم بين الخلائق بالعدل والحق بلا ظلم ولا حيف .

قال الفخر الرازي :

{ وقضي بينهم بالحق . . . }

أي حُكم بين الملائكة بالحق ، فلكل منهم في المعرفة والطاعة حد محدود لا يتجاوزه ولا يتعداه ، ثم نطق الكون كلّه بحمد الله وشكره ، على حسن قضائه وعظيم نعمائه .

ونلاحظ أن الله تعالى بدأ الخلق بحمد الله ، قال تعالى في صدر سورة الأنعام : { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور . . . } ( الأنعام : 1 )

كما أن الله تعالى اختتم أعمال الآخرة بالحمد ، فقال سبحانه : { وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين } .

فهو سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة ، وله الحكم ، وإليه يرجع الخلق أجمعون ، وفي نهاية كل مجلس نقول الحمد لله رب العالمين ، دلالة على الختام والشكر والمنة لذى الجلال والإكرام ، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ترضى وتحبّ ، ولك الحمد إذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضى ، اللهم لك الحمد والشكر والثناء الحسن الجميل ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، سبحان ربك رب العزّة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

ختام السورة:

خلاصة ما تضمنته سورة الزمر

1- وصف القرآن الكريم .

2- الأدلة على قدرة الله تعالى .

3- طبيعة المشرك في السرّاء والضراء .

4- ضرب الأمثال في القرآن وفائدة ذلك .

5- تهديد المشركين ووعيدهم .

6-تمني المشركين الفداء حين يرون العذاب .

7- الوعد بالغفران ذنوب من أسرفوا على أنفسهم .

8-ذكر أحوال القيامة .

9-سَوْق الكفار إلى جهنم ومناقشة الملائكة لهم .

10-ذهاب المتقين إلى الجنة مع الكرامة والتعظيم .

11-إعلان الحمد لله رب العالمين في نهاية فصل القضاء .

***

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

حافين من حول العرش : محيطين به .

ويومها يكون الملائكة محيطين بالعرش ، ينزّهون اللهَ عن كل نقص ، ويكون قد قضى بين العباد ، وذهب كلٌّ إلى مأواه ، ونطق الكون كله بحمد ربه . { وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين } .

وهكذا تختم هذه السورة الجليلة بهذا المشهد الذي يغمر النفس بالروعة والرهبة والجلال ، وقد بدأ الله سبحانه هذه الآية الأخيرة بالحمد وختمها بالحمد ، وبهذا يختم المجلد الثالث ونسأ الله حسن الختام .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

قوله تعالى : { وترى الملائكة حافين من حول العرش } أي : محدقين محيطين بالعرش مطيفين بحوافيه أي : بجوانبه { يسبحون بحمد ربهم } قيل : هذا تسبيح تلذذ لا تسبيح تعبد ، لأن التكليف متروك في ذلك اليوم { وقضي بينهم بالحق } أي : قضي بين أهل الجنة والنار بالعدل { وقيل الحمد لله رب العالمين } يقول أهل الجنة : شكراً حين تم وعد الله لهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وترى} يا محمد {الملائكة حافين من حول العرش} يعني تحت العرش.

{يسبحون بحمد ربهم} يعني يذكرونه بأمر ربهم.

{وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين}.

وذلك أن الله تبارك وتعالى افتتح الخلق بالحمد، وختم بالحمد، فقال: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض} [الأنعام:1]، وختم بالحمد حين قال: {وقضي بينهم بالحق} يعني العدل.

{وقيل الحمد لله رب العالمين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وترى يا محمد الملائكة محدقين من حول عرش الرحمن، ويعني بالعرش: السرير... والمعنى: حافّين حول العرش...

"يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ": يصلون حول عرش الله شكرا له، والعرب تدخل الباء أحيانا في التسبيح، وتحذفها أحيانا، فتقول: سبح بحمد الله، وسبح حَمْدَ الله، كما قال جلّ ثناؤه: "سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى"، وقال في موضع آخر: "فَسَبّحْ باسْم رَبّكَ العَظِيمِ". "وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحَقّ": وقضى الله بين النبيين الذين جيء بهم، والشهداء وأممها بالعدل، فأسكن أهل الإيمان بالله، وبما جاءت به رسله الجنة، وأهل الكفر به، وبما جاءت به رسله النار.

"وَقِيلَ الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العَالمِينَ": وختمت خاتمة القضاء بينهم بالشكر للذي ابتدأ خلقهم الذي له الألوهية، ومُلك جميع ما في السموات والأرض من الخلق من ملك وجنّ وإنس، وغير ذلك من أصناف الخلق...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}: التسبيح عندنا بحمد ربهم، هو أن يسبّحوا بثناء ربهم وحمده، أي يبرّؤوه، وينزّهوه عن جميع معاني الخلق؛ بثناء وحمد يحمدونه، ويثنون عليه على ما ذكرنا في غير موضع.

{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ}...قيل: بين الخلائق كلهم، وجائز أن يكون بين المؤمنين وأعدائهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

الحفوف:الإحداق بالشيء، وهذه اللفظة مأخوذة من الحفاف وهو الجانب...

ومن هذه الآية جعلت {الحمد لله رب العالمين} خاتمة المجالس والمجتمعات في العلم...

وجعل الله {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 1] فاتحة كتابه، فبه يبدأ كل أمر وبه يختم.

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

فحذف فاعل القول، لأنه غير معين، بل كل أحد يحمده على ذلك الحكم الذي حكم به، فيحمده أهل السموات وأهل الأرض: والأبرار، والفجار، والإنس والجن حتى أهل النار. قال الحسن وغيره: لقد دخلوا النار، وإن حمده لفي قلوبهم، ما وجدوا عليه سبيلا.

وهذا -والله أعلم- هو السر الذي حذف لأجله الفاعل في قوله: {قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها} [الزمر: 72]

وفي قوله: {وقيل ادخلا النار مع الداخلين} [التحريم: 10] كأن الكون كله نطق بذلك، وقاله لهم ذلك.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر سبحانه الذين ركب فيهم الشهوات، وما وصلوا إليه من المقامات، أتبعهم أهل الكرامات الذين لا شاغل لهم عن العبادات، فقال صارفاً الخطاب لعلو الخبر إلى أعلى الخلق أنه لا يقوم بحق هذه الرؤية غيره: {وترى} معبراً بأخص من الإبصار الأخص من النظر، كما بين في البقرة في قوله تعالى {إن القوة لله جميعاً} [البقرة: 165]

{الملائكة} القائمين بجميع ما عليهم من الحقوق {حافين} أي محدقين ومستديرين وطائفين في جموع لا يحصيها إلا الله، وإدخال {من} يفهم أنهم مع كثرتهم لا يملؤون ما حوله، حال كونهم {يسبحون بحمد}، وصرف القول إلى وصف الإحسان مدحاً لهم بالتشمير لشكر المنعم وتدريباً لغيرهم فقال: {ربهم} أي يبالغون في التنزيه عن النقص بأن يتوهم متوهم أنه محتاج إلى عرش أو غيره، وأن يحويه مكان متلبسين بإثبات الكمال للمحسن إليهم بإلزامهم بالعبادة من غير شاغل يشغلهم، ولا منازع من شهوة أو حظ يغفلهم، تلذذاً بذكره وتشرفاً بتقديسه؛ ولأن حقه إظهار تعظميه على الدوام كما أنه متصل الإنعام...

ولما تقدم ذكر الحكم بين أهل الشهوات بما برز عليهم من الشهادات، ذكر هنا الحكم بينهم وبين الملائكة الذين فاضوا في أصل خلقهم بقولهم {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} الآية فقال: {وقضى بينهم} أي بين أهل الشهوات وأهل العصمة والثبات.

ولما كان السياق عاماً في الترغيب والترهيب عدلاً وفضلاً، بخلاف سياق سورة يونس عليه السلام، قال: {بالحق} بأن طوبق بما أنزلنا فيهم في الكتب التي وضعناها لحسابهم الواقع، فمن طغى منهم أسكناه لظى بعدلنا، ومن اتقى نعمناه في جنة المأوى بفضلنا، لجهادهم ما فيهم من الشهوات حتى ثبتوا على الطاعات، مع ما ينزعهم من الطبائع إلى الجهالات، وأما الملائكة فأبقيناهم على حالهم في العبادات: {وقيل} أي من كل قائل: آخر الأمور كلها {الحمد} أي الإحاطة بجميع أوصاف الكمال، وعدل بالقول إلى ما هو حق بهذا المقام فقال: {لله} ذي الجلال والإكرام، علمنا ذلك في هذا اليوم علم، اليقين كما كنا في الدنيا نعلمه علم اليقين.

ولما كان ذلك اليوم أحق الأيام بمعرفة شمول الربوبية؛ لاجتماع الخلائق وانفتاح البصائر وسعة الضمائر، قال واصفاً له سبحانه بأقرب الصفات إلى الاسم الأعظم {رب العالمين} أي الذي ابتدأهم أولاً من العدم، وأقامهم ثانياً بما رباهم به من التدبير، وأعادهم ثالثاً بعد إفنائهم بأكمل قضاء وتقدير، وأبقاهم رابعاً لا إلى خير، فقد حقق وعده كما أنزل في كتابه وصدق وعيده لأعدائه كما قال في كتابه، فتحقق أنه تنزيله، فقد ختم الأمر بإثبات الكمال باسم الحمد عند دخول الجنان والنيران كما ابتدأ به عند ابتداء الخلق في أول الإنعام، فله الإحاطة بالكمال في أن الأمر كما قال كتابه على كل حال، فقد انطبق آخرها على أولها بأن الكتاب تنزيله لمطابقة كل ما فيه للواقع عندما يأتي تأويله، وبأن الكتاب الحامل على التقوى المسببة للجنة أنزل للإبقاء الأول، فمن أتبعه كان له سبباً للإبقاء الثاني، وهذا الآخر هو عين أول سورة غافر فسبحان من أنزله معجزاً نظامه، فائتاً القوى أول كل شيء منه وختامه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وأهل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

والخطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون لكل من تصح منه الرؤية كأنه قيل: وترى أيها الرائي الملائكة حافين...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم فيكون إيذاناً بأنها رؤية دنو من العرش وملائكته، وذلك تكريم له بأن يكون قد حواه موكب الملائكة الذين حول العرش. والحَفُّ: الإِحداق بالشيء والكون بجوانبه.

وجملة {يُسَبحون بحمد ربهم} حال، أي يقولون أقوالاً تدل على تنزيه الله تعالى وتعظيمه مُلابسَةً لحمدهم إياه، فالباء في {بحمد ربهم} للملابسة تتعلق ب

{يسبحون}، وفي استحضار الله تعالى بوصف ربهم، إيماء إلى أن قربهم من العرش ترفيع في مقام العبودية الملازمة للخلائق.

{وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالحق} تأكيد لجملة {وقُضِي بينهم بالحقِّ وهُم لا يُظلمون} [الزمر: 69] المتقدمةِ.

{وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين} يجوز أن يكون توكيداً لجملة {وقالوا الحَمْدُ لله الَّذي صَدَقنا وَعْده}، ويجوز أن يكون حكاية قول آخر لقائلين من الملائكة والرسل وأهل الجنة، فهو أعم من القول المتقدم الذي هو قول المسُوقين إلى الجنة من المتقين، فهذا قولهم يحمدون الله على عدل قضائه وجميع صفات كماله...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

قوله تعالى : " وترى الملائكة " يا محمد " حافين " أي محدقين " من حول العرش " في ذلك اليوم " يسبحون بحمد ربهم " متلذذين بذلك لا متعبدين به ، أي يصلون حول العرش شكرا لربهم . والحافون أخذ من حافات الشيء ونواحيه . قال الأخفش : واحدهم حاف . وقال الفراء : لا واحد له إذ لا يقع لهم الاسم إلا مجتمعين . ودخلت " من " على " حول " لأنه ظرف والفعل يتعدى إلى الظرف بحرف وبغير حرف . وقال الأخفش : " من " زائدة أي حافين حول العرش . وهو كقولك : ما جاءني من أحد ، فمن توكيد . الثعلبي : والعرب تدخل الباء أحيانا في التسبيح وتحذفها أحيانا ، فيقولون : سبح بحمد ربك ، وسبح حمدا لله . قال الله تعالى : " سبح اسم ربك الأعلى " [ الأعلى : 1 ] وقال : " فسبح باسم ربك العظيم " [ الواقعة : 74 ] . " وقضي بينهم بالحق " بين أهل الجنة والنار . وقيل : قضى بين النبيين الذين جيء بهم مع الشهداء وبين أممهم بالحق والعدل . " وقيل الحمد لله رب العالمين " أي يقول المؤمنون الحمد لله على ما أثابنا من نعمه وإحسانه ونصرنا على من ظلمنا . وقال قتادة في هذه الآية : افتتح الله أول الخلق بالحمد لله . فقال : " الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور " [ الأنعام :1 ] وختم بالحمد فقال : " وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين " فلزم الاقتداء به ، والأخذ في ابتداء كل أمر بحمده وخاتمته بحمده . وقيل : إن قول " الحمد لله رب العالمين " من قول الملائكة ، فعلى هذا يكون حمدهم لله تعالى على عدله وقضائه . وروي من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر آخر سورة " الزمر " فتحرك المنبر مرتين .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

ولما ذكر سبحانه الذين ركب فيهم الشهوات ، وما وصلوا إليه من المقامات ، أتبعهم أهل الكرامات الذين لا شاغل لهم عن العبادات ، فقال صارفاً الخطاب لعلو الخبر إلى أعلى الخلق أنه لا يقوم بحق هذه الرؤية غيره : { وترى } معبراً بأخص من الإبصار الأخص من النظر كما بين في البقرة في قوله تعالى{ وإن القوة لله جميعاً }[ البقرة : 165 ] { الملائكة } القائمين بجميع ما عليهم من الحقوق { حافين } أي محدقين ومستديرين وطائفين في جموع لا يحصيها إلا الله . من الخف وهو الجمع ، والحفة وهو جماعة الناس ، والأعداد الكثيرة ، وهو جمع حاف ، وهو الواحد من الجماعة المحدقة .

ولما كان عظيم الشيء من عظم صاحبه ، وكان لا يحيط بعظمة العرش حق الإحاطة إلا الله تعالى ، أشار إلى ذلك بإدخال الجاز فقال : { من حول العرش } أي الموضع الذي يدار فيه به ويحاط به منه ، من الحول وهو الإحاطة والانعطاف والإدارة . محدقين ببعض أحفته أي جوانبه التي يمكن الحفوف بها بالقرب منها يسمع لحفوفهم صوت بالتسبيح والتحميد والتقديس والاهتزاز خوفاً من ربهم ، فإدخال { من } يفهم أنهم مع كثرتهم إلى حد لا يحصيه إلا الله ، لا يملؤون ما حوله ، حال كونهم { يسبحون بحمد } وصرف القول إلى وصف الإحسان مدحاً لهم بالتشمير لشكر المنعم وتدريباً لغيرهم فقال : { ربهم } أي يبالغون في التنزيه عن النقص بأن يتوهم متوهم أنه محتاج إلى عرش أو غيره ، وأن يحويه مكان متلبسين بإثبات الكمال للمحسن إليهم بإلزامهم بالعبادة من غير شاغل يشغلهم ، ولا منازع من شهوة أو حظ يغفلهم ، تلذذاً بذكره وتشرفاً بتقديسه ، ولأن حقه إظهار تعظميه على الدوام كما أنه متصل الإنعام .

ولما تقدم ذكر الحكم بين أهل الشهوات بما برز عليهم من الشهادات ، ذكر هنا الحكم بينهم وبين الملائكة الذين فاضوا في أصل خلقهم بقولهم { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } الآية فقال : { وقضى بينهم } أي بين أهل الشهوات وأهل العصمة والثبات . ولما كان السياق عاماً في الترغيب والترهيب عدلاً وفضلاً ، بخلاف سياق سورة يونس عليه السلام ، قال : { بالحق } بأن طوبق بما أنزلنا فيهم في الكتب التي وضعناها لحسابهم الواقع ، فمن طغى منهم أسكناه لظى بعدلنا ، ومن اتقى نعمناه في جنة المأوى بفضلنا ، لجهادهم ما فيهم من الشهوات حتى ثبتوا على الطاعات ، مع ما ينزعهم من الطبائع إلى الجهالات ، وأما الملائكة فأبقيناهم على حالهم في العبادات : { وقيل } أي من كل قائل : آخر الأمور كلها { الحمد } أي الإحاطة بجميع أوصاف الكمال ، وعدل بالقول إلى ما هو حق بهذا المقام فقال : { لله } ذي الجلال والإكرام ، علمنا ذلك في هذا اليوم عمل اليقين كما كنا في الدنيا نعلمه علم اليقين .

ولما كان ذلك اليوم أحق الأيام بمعرفة شمول الربوبية لاجتماع الخلائق وانفتاح البصائر وسعة الضمائر ، قال واصفاً له سبحانه بأقرب الصفات إلى الاسم الأعظم : { رب العالمين * } أي الذي ابتدأهم ، أولاً من العدم وأقامهم ثانياً بما رباهم به من التدبير ، وأعادهم ثالثاً بعد إفنائهم بأكمل قضاء وتقدير ، وأبقاهم رابعاً لا إلى خير ، فقد حقق وعده كما أنزل في كتابه وصدق وعيده لأعدائه كما قال في كتابه ، فتحقق أنه تنزيله ، فقد ختم الأمر بإثبات الكمال باسم الحمد عند دخول الجنان والنيران كما ابتدأ به عند ابتداء الخلق في أول الإنعام ، فله الإحاطة بالكمال في أن الأمر كما قال كتابه على كل حال ، فقد انطبق آخرها على أولها بأن الكتاب تنزيله لمطابقة كل ما فيه للواقع عندما يأتي تأويله ، وبأن الكتاب الحامل على التقوى المسببة للجنة أنزل للإبقاء الأول ، فمن أتبعه كان له سبباً للإبقاء الثاني ، وهذا الآخر هو عين أول سورة غافر فسبحان من أنزله معجزاً نظامه ، فائتاً القوى أول كل شيء منه وختامه ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وأهل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين .

ختام السورة:

فقد انطبق آخرها على أولها بأن الكتاب تنزيله لمطابقة كل ما فيه للواقع عندما يأتي تأويله ، وبأن الكتاب الحامل على التقوى المسببة للجنة أنزل للإبقاء الأول ، فمن أتبعه كان له سبباً للإبقاء الثاني ، وهذا الآخر هو عين أول سورة غافر فسبحان من أنزله معجزاً نظامه ، فائتاً القوى أول كل شيء منه وختامه ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وأهل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين .