البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

والحفوف : الإحداق بالشيء ، قال الشاعر :

تحفه جانب ضيق ويتبعه *** مثل الزجاجة لم يكحل من الرمد

وهذه اللفظة مأخوذة من الحفاف ، وهو الجانب ، ومنه قول الشاعر :

له لحظات عن حفافي سريره *** إذا كرها فيها عقاب ونائل

{ وترى الملائكة حافين } : الخطاب للرسول حافين .

قال الأخفش : واحدهم حاف .

وقال الفراء : لا يفرد .

وقيل : لأن الواحد لا يكون حافاً ، إذ الحفوف : الإحداق بالشيء من حول العرش .

قال الأخفش : من زائدة ، أي حافين حول العرش ؛ وقيل : هي لابتداء الغاية .

والظاهر عود الضمير من بينهم على الملائكة ، إذ ثوابهم ، وإن كانوا معصومين ، يكون على حسب تفاضل مراتبهم .

فذلك هو القضاء بينهم بالحق ؛ وقيل : ضمير { الحمد لله رب العالمين } .

الظاهر أن قائل ذلك هم من ذوات بينهم المخاطبة من الداخلين الجنة ومن خزنتها ، ومن الملائكة الحافين حول العرش ، إذ هم في نعم سرمدي منجاة من عذاب الله .

وقال الزمخشري : المقضي بينهم ، إما جميع العباد ، وإما الملائكة ، كأنه قيل : { وقضى بينهم بالحق } .

وقالوا : { الحمد لله رب العالمين } على إفضاله وقضائه بيننا بالحق ، وأنزل كل منا منزلته التي هي حقه .

وقال ابن عطية : وقيل : { الحمد لله رب العالمين } خاتمة المجالس المجتمعات في العلم .