فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

{ وَتَرَى } يا محمد { الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ } أي محيطين ومحدقين قائمين بجميع ما عليهم من الحقوق { مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ } أي جوانبه التي يمكن الحفوف بها فيسمع لحفوفهم صوت التسبيح والتمجيد والتقديس ، وإدخال { من } يفهم أنهم مع كثرتهم إلى حد لا يحصيه إلا الله لا يملأون حوله ، وهذا أولى من قول البيضاوي : إن { من } مزيدة ، وبه قال الأخفش : أو للابتداء أي ابتداء حفوفهم من حول العرش إلى حيث شاء الله .

والمعنى أن الرائي يراهم بهذه الصفة في ذلك اليوم ، والحافين جمع حاف قاله الأخفش ، وهو المحدق بالشيء من حففت بالشيء إذا أحطت به ، وهو مأخوذ من الحفاف وهو الجانب ، وقال الفراء وتبعه الزمخشري لا واحد له من لفظه إذ لا يقع لهم هذا الاسم إلا مجتمعين .

{ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أي حال كونهم مسبحين لله متلبسين بحمده أي يقولون سبحان الله وبحمده وقيل معنى يسبحون يصلون حول العرش شكرا لربهم ، وهذا تسبيح تلذذ لا تسبيح تعبد ، لأن التكليف يزول في ذلك اليوم وذلك يشعر بأن ثوابهم هو عين ذلك التسبيح ، وأفهم أن منتهى درجات العليين ولذاتهم الاستغراق في صفاته تعالى ، اللهم أرزقنا .

{ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي بين جميع العباد والخلائق { بِالْحَقِّ } أي بالعدل بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار ، وقيل بين النبيين الذين جيء بهم مع الشهداء ، وبين أممهم ، وقيل بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب درجاتهم والأول أولى .

{ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } القائلون هم المؤمنون ، حمدوا الله على قضائه بينهم وبين أهل النار بالحق كما قال : { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } ، وقيل القائلون هم الملائكة حمدوا الله تعالى على عدله في الحكم وقضائه بين عباده بالحق ، وبدأ سبحانه هذه الآية بالحمد ، وختمها بالحمد ، للتنبيه على تحميده في بداية كل أمر ونهايته ، والحمد الأول على صدق الوعد وإيراث الجنة ، وهذا على القضاء بالحق ، فلا تكرار فيه ، وروي من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر آخر الزمر فتحرك المنبر مرتين .