اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

قوله : { وَتَرَى الملائكة حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العرش } حَافّين جمع حَافِّ : وهو المحدق بالشيء من حَفَفْتُ بالشيء إذا أحَطْتَ{[47809]} به ، قال :

4312- يَحُفُّهُ جَانِبَا نيقٍ وَيُتْبِعُهُ . . . مِثْلَ الزّجَاجَةِ لَمْ تَكْحَلْ مِنَ الرَّمَدِ{[47810]}

وهو مأخوذ من الحِفَاف وهو الجانب قال :

4313- لَهُ لَحَظَاتٌ عَنْ حَفَافَيْ سَرِيرِهِ . . . إِذَا كَرَّهَا فِيهَا عِقَابٌ وَنَائِلُ{[47811]}

وقال الفراء- وتبعه الزمخشري{[47812]}- ولا واحِدَ لحافّين وكأنهما{[47813]} رأيا أن الواحد لا يكون «حَافًّا » إذ الحفوف هو الإحداق بالشيء والإحاطة به وهذا لا يتحقق إلا في جمع{[47814]} .

فصل

لما ذكر صفة ( الثواب ) ثواب البشر ذكر عقيبه ثواب الملائكة فكما دارُ ثواب المتقين هو الجنة فكذلك دارُ ثواب الملائكة جوانب العرش فقال : { حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العرش } أي محدقين محيطين بالعرش بحفافيه أي جوانبه ، قال الليث حَفَّ القَوْمُ بسَيِّدِهِمْ يَحُفُّونَ حَفًّا إِذَا طافوا به{[47815]} .

قوله : { مِنْ حَوْلِ } في «من » وجهان :

أحدهما : وهو قول الأخفش : أنها مزيدة{[47816]} .

والثاني : أنها للابتداء{[47817]} .

وقوله { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } «يسبحون » حال من الضمير في «حافين »{[47818]} ، قيل هذا تسبيح تلذذ لا تسبيح تعبد ، لأن التكليف يزول{[47819]} في ذلك اليوم . وهذا يشعر بأن ثوابهم هو عَين ذلك التسبيح{[47820]} .

قوله : { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحق } هذا الضمير إما للملائكة ، وإما للعباد ( ة ){[47821]} وَقِيلَ : قضى بين أهل الجنة والنار بالعدل . { وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين } . وقيل : إن الملائكة لما قضي بينهم ( بالحق ){[47822]} قالوا : الحمد لله رب العالمين على قضائه بيننا بالحق .

ختام السورة:

روى أبو أمامة عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( وشرف وكرم وبجل{[1]} ومجد وعظم ){[2]} : «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الزُّمَر لَمْ يَقْطَعِ اللَّهُ رَجَاءَهُ وَأعْطَاهُ ثَوَابَ الخَائِفينَ »{[3]} . وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت : «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ كُلَّ ليلة بني إِسْرَائِيلَ والزُّمَر »{[4]} . رواهما الثعلبي في تفسيره . والله ( تعالى ){[5]} أعلم .

( تم الجزء الثاني{[6]} عشر بحمد الله وعونه وحسن توفيقه . ويتلوه إن شاء الله أول سورة غافر ) .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[4]:أخرجه البخاري (4/301)، كتاب: فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر رقم (2015)، ومسلم (2/822)، كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها... رقم (205- 1165).
[5]:تقدم.
[6]:سقط من: ب.
[47809]:اللسان " ح ف ف" 93.
[47810]:من البسيط للنابغة الذبياني من قصيدة في مدح النعمان والاعتذار إليه. والضمير في "يحفه" راجع إلى سرب الحمام في بيت سابق فيما ذكر من قصة زرقاء اليمامة، و "يحفه" : يحيط به من كل جوانبه وذلك هو موطن الشاهد في البيت. والنيق: الحبل ويتبعه مثل الزجاجة يقصد أن عينيها صافيتان مثل صفاء الزجاجة وعينها لم يصبها رمد فتكتحل لتشفى منه الديوان 34 والبحر 7/427 والمفضليات 722 و 879.
[47811]:من بحر الطويل لابن هرمة واللحظات مفردها لحظة وهي النظرة الخاطفة، وكرها أعادها، والعقاب : العقوبة ونائل: الثواب. والمعنى أن فراسته ترهب الخائنين ويعجل العطاء لمن قصده طالبا فضله. والشاهد في "حفافي سريره" فإن الحفاف هو الجانب. وانظر البيت هو وسابقه في الدر المصون 4/669 والبحر 7/427 ومفردات الراغب الأصفهاني 123 والبداية والنهاية 1/1710 وذيل الأمالي والنوادر لأبي علي القالي 40 والديوان 168.
[47812]:كذا نقل الإمام مكي في المشكل 2/262 والسمين في الدر 4/669 وأبو حيان في البحر 7/443 ولم أعثر عليه في كتابيهما معاني القرآن والكشاف ونقله القرطبي في الجامع عن الفراء 15/287.
[47813]:في ب وكأنما.
[47814]:الدر 4/669.
[47815]:اللسان خفف 930.
[47816]:معاني القرآن 673.
[47817]:البحر 7/443 والدر 4/669.
[47818]:التبيان 1114.
[47819]:في ب نزوله وفي البغوي متروك.
[47820]:معالم التنزيل 6/86.
[47821]:التاء زيادة من ب.
[47822]:زيادة من (أ).